تأخذ انتشار قضايا خطف الأطفال والاتجار بهم فى مصر منحنى خطرا جديدا، وعلى الرغم من جهود وزارة الداخلية الكبيرة للسيطرة على هذه الظاهرة إلا أن هناك حالة من الهلع والرعب خلقتها بعض المعلومات التى يتم تداولها بين الحين والأخر على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة والتى تشير إلى أن الأطفال المخطوفين ربما يتم استخدامهم فى تجارة الأعضاء، أو اغتصابهم وقتلهم كما شهدنا فى عدد من القضايا المعروفة إعلاميا.
فى الاسبوع الماضى اجتهد الأهالى بضبط امرأة اشتبهوا فى كونها تحاول خطف طفلة، وقاموا بربطها فى عمود إنارة وتعذيبها حتى كادت تفارق الحياة، دون اللجوء لأجهزة الأمن، وهو أمر ينم عن عدم شعور المواطنين بقدرات أجهزة الأمن والقضاء على تحقيق الأمان والعدالة له.
لاشك أن خطورة هذا التصرف تأتى من كونه يرسخ مفهوم الغاب، والاقتصاص من المجرمين بطرق وحشية، دون أدنى محاولة للتأكد من صحة الاتهام من عدمه، وهو ما يعنى أن المتهم قد يموت بمجرد أن يشتبه فيه المواطنون بقيامه بالفعل محل الجريمة.
وبحكم متابعتى للقضايا التى أثيرت إعلاميا حول خطف الأطفال، فإننى على ثقة تامة من أن أجهزة الأمن المصرية تقوم بدورها على أكمل وجه، سواء من التعامل الجاد مع البلاغات وتشكيل مجموعات العمل فى الدوائر والأقسام المختلفة لجمع الأدلة وانتهاء بضبط المجرمين وهى فى هذا الصدد تتعامل بمنتهى الحرفية، غير أن أغلب القضايا التى تثور إعلاميا وتنقل صورة سلبية للمواطنين لا يتم متابعة نهايتها، وهو أمر يعنى أن الانطباع السلبى يستمر دون الوصول إلى يقين بأن القصاص قادم.
إن مرحلة القصاص من المجرمين التى تغيب عن أغلب التغطيات الإعلامية، هى الرادع فى وجه كل ما تساوره نفسه عن القيام بجريمة شنيعة مشابهة، وهى الضمانة التى تدفع المواطنين المتضررين إلى اللجوء إلى أجهزة الأمن والقضاء، وبغياب هذه المرحلة يغيب ركنا هاما من أركان طمأنة المواطنين ومكافحة الجريمة بشكل استباقى.
صحيح أن معدلات الجريمة قد ارتفعت بشكل عام، وهناك العديد من الأسباب التى يمكن لعلماء الاجتماع الارتكان إليها فى إطار تحليل تلك الزيادة والتى منها على سبيل المثال لا الحصر انتشار البطالة والفقر والجهل والتى تعد أحد أهم المغذيات الأساسية للجريمة، إضافة إلى سنوات الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة يناير 2011، والتى ساهمت فى نشر فكر الجريمة بشكل مضاعف، وتداول أنباء الجرائم على شبكات التواصل الاجتماعى والتى يعتريها كثير من المبالغة وعدم التدقيق كبديل عن الجرائد والمجلات التى عادة ما تقوم بالتأكد وتوثيق المعلومة.
من هنا تواجه أجهزة الأمن معضلة سرعة انتشار أخبار الجريمة، ولجوء البعض للتهويل بسبب الخوف، أو لأغراض خبيثة هدفها إثارة الذعر فى المجتمع، وأحيانا لجمع المزيد من الإعجاب والتأييد لأغراض شخصية بحتة، ولا عزاء لملايين القلوب الخائفة.
وفى تقديرى أن علاج ذلك ليس بالتكتم على الجرائم، إذ أن الزمن قد تجاوز هذه الفكرة القديمة عن التخوف من الدعاية السلبية، وثبت أن المعرفة لم تعد رفاهية تتيحها الحكومات المستنيرة للشعوب لأن ذلك يفسح المجال أمام مزيد من البلبلة.
إن المواطنين يحتاجون من أجهزة الأمن نشر الحقائق حول كافة الجرائم بشكل عام وبشكل خاص جريمة تجارة الأعضاء فى مصر، وكيفية مكافحتها وتوعية الأسر بها من جهة كما أنه من جهة أخرى فإن المواطنين يحتاجون وبشدة إدراك جهود الأمن فى هذا المجال، فالأمن العام والأمن الاجتماعى لا يقل أهمية عن الأمن السياسى ومكافحة الإرهاب.