فى البلد الصديق ذى التاريخ العريق والرابض على كتفى نهرين عظيمين، والذى نحبه محبة الوطن، صار الخطف والقتل عملا يوميا. لقد صارت كافة أعمال الحرب والجاسوسية وأعمال العصابات ممكنة ومحل ممارسة كل يوم. وصار قتل شخص لا يكلفك سوى خمسين دولارا أمريكيا فقط، وما عليك سوى أن تسدد الخمسين دولارا مع بيانات الشخص المقصود وتعتبره ميتا أو قتيلا كيفما شئت. ويمكنك أيضا أن تشترى طبنجة وعددا من طلقات الرصاص مقابل خمسة وعشرين دولارا وتنفذ ما شئت لنفسك. ويكفى عدوك أو مدينك أن يراك تدخل الشارع الذى يسكن فيه ليسرع إلى تسديد ديونه اليك بدلا من أن يصبح جثة هامدة خلال ساعات، أو يصبح جثة بلا رأس على قارعة الطريق. وعندما تسأل على بائع الموبيل الذى تتعامل معه، أو تسأل على صاحب المطعم الذى ترتاده، سوف يقولون لك أنه وجد بلا رأس على بعد خطوات من بيته أو أمام مطعمه. والكل يعرف ماذا حدث، ولكن لا أحد ينطق.
فى البلد الصديق العريق تنتشر عمليات الخطف كعادة تدخين السجائر فى حانة ليلية. فاذا كنت فى الطريق واجهتك سيارة تحمل أربعة اشخاص ملثمين ومسلحين بسلاح إلى موجه اليك والى من معك، بينما تطبق عليك سيارة أخرى من الخلف بأربعة ملثمين مسلحين بسلاح آلى، لتصدمك المفاجأة ويخيفك الحصار وتسقط فرصتك فى الاستنجاد أو الفرار وتقع رهينة فى يد من يبحث عنك، وليس فى يد من خطفوك. فالخطف عمل منفصل، وهكذا يتم متقنا بعد عشرات السنين من الحروب والانقلابات والغزو والغزو المضاد والاحتلال والاحتلال المضاد. وسواء كنت فردا أو جماعة، لن يمثل ذلك فارقا، وسوف تخرج عليك سيارتان بأربعة مسلحين ملثمين فى كل سيارة، ولو كنت سيدة وحيدة. فأسلوب الجريمة هو مدرسة محترفة تسعى إلى الاحكام والدقة وتفويت فرص الفشل. وهو اسلوب يقتبس كما هو بدقة، وبلا تغيير ولا فهلوة فى عمليات كثيرة متقنة داخل البلد الطيب الصديق.
فى الوطن قبل أيام، وجدنا أربعة ملثمين يهاجمون مكتبا للصرافة ويستولون بالسلاح على تسعمائة الف جنيها مصريا لماذا ؟ لتمويل العمليات الارهابية العاجلة التى قد تفشل اذا ما تم تأجيلها ربما. ولذلك يتم معالجة خطر الفشل بمخاطرة اضافية، وهى سرقة مكتب صرافة ضعيف الحراسة - أو بلا حراسة تقريبا - وحل مشكلة السيولة العاجلة، ريثما تأتى شحنة الأموال الداعمة للارهاب من حيث تأتى. فهل انتقل السفاح البدين إلى مستوى آخر من المواجهة ؟ّ
هل من قبيل الصدفة أن تتم عملية اقتحام مكتب الصرافة بهذه الطريقة وفى هذا التوقيت ؟!
لا أعتقد فى الصدفة، لأن هناك جهودا مصفوفة وموزونة وموجهة. ولن يكون مفاجئا، اذا علمنا أن للسفاح البدين خلايا نائمة وعناصر جدية التدريب تنتظر التعليمات بالتحرك لتنفيذ مهام محددة. وفى ضوء الأحداث الجارية الآن والمواجهة المحتدمة مع السفاح البدين، والرقابة المشددة على تدفقات الأموال الداخلة إلى الوطن، قد يلزم القيام ببعض عمليات السطو لتغطية الاحتياجات المالية الملحة من ناحية، ولبث الشعور بغياب الأمان - من ناحية أخرى - وسط المواطنين. وليست مفاجأة أن تتوالى العمليات الارهابية الآن فى أماكن متفرقة من الوطن، وبلا تمييز. فالوحش وحش، ولن يهدأ حتى تقطع رقبته. ولا يسعد السفاح البدين سوى أن يقطع رقاب الآخرين.
ان وقوع حادث السطو على مكتب الصرافة بهذه الطريقة، قد يكون حادثا فرديا، وقد يكون نذيرا باقتباس نمط الجريمة فى البد الصديق. وعلينا أن نفحص كل العائدين إلى الوطن بلا استثناء وبلا وهن أو تردد أبدا. وعلينا أن نفحص كل من كان على صلة بالسفاح البدين وعاش فى بلده وتلقى تعليمه هناك، لأن الخطر فى العقول وما تلقته من تلقين وتوجيه.
اننا فى حرب مع السفاح البدين. وليس السفاح البدين شقيقا ولم يكن يوما شقيقا، ولن يكون فى يوم ما شقيقا. فلنقطع رأسه ويده، قبل أن يقتل العشرات والعشرات مننا ونحن نتحدث عن كوننا أشقاء، وعن تراجعه عن أفعاله، كأننا نطالبه بالتوقف عن لعب كرة القدم أمام منزلنا.
اننا فى حرب مع سفاح بدين ممتلىء البطن بالغاز والبترول والأموال التى تحير فكره المريض العاجز الذى يصور له امكانية أن يصبح عظيما وصاحب كلمة فى العالم بقتل الاخرين وتخريب بلادهم، بينما هو يخطو بخيلاء وزهو أمام الكاميرات التى تنزف بدماء الضحايا. اننا فى حرب مع سفاح بدين العقل بحيث يعجز عن تصور أن العالم فى مجمله شريف الضمير - بالفطرة - ولن يقبل أن يجلس – فى العلن - على مائدة الدم ولحم البشر وجماجم الأطفال من أجل براميل البترول وصفقات السلاح.