- يا أنا أبطل صحافة، يا أنت تبطل تصوير.
صرخ رئيس التحرير فيه محذرا أن يرى وجهه فى الجريدة مرة أخرى، بينما جاء رده حاسما: أنا مش هابطل تصوير أبدا. ثم فر هاربا من ثورة أشهر رئيس تحرير فى تاريخ السينما المصرية العبقرى محمود المليجى.
رغم قدراته المحدودة فى التصوير الصحفى إلا أنه ظل مؤمنا بنفسه محاولا إقناع رئيس التحرير أنه يصور بمنطق سريالى لا يفهمه كثيرون، وعلى رأسهم رئيس التحرير ذاته.
ثقة "يونس" عبد السلام النابلسى بنفسه وموهبته فى فيلم "يوم من عمرى" لا تنفصل أبدا عن ثقته بنفسه فى الواقع، الفارق بينهما أن النابلسى كان فنانا ناجحا ويونس مصور فاشل.
اعتزاز النابلسى بذاته فى كل أدواره وإيمانه الشديد بنفسه وقدراته حتى وإن كانت محدودة لم تكن شخصية اعتاد النابلسى تقديمها على الشاشة فحسب، ولكنها كانت طابعا وملمحا مميزا لشخصيته وتركيبته النفسية، حتى أن الفنان يوسف وهبى أطلق عليه لقب "الكونت " وهو أحد ألقاب التى تطلق على طبقة النبلاء الإنجليز، وعندما سُئل النابلسى عن سر هذا اللقب قال: يمكن مظهرى الارستقراطى وطريقتى حياتى وكلامى.
المتعارف عليه أن قدرة الفنان على التنوع، وتقمص شخصيات مختلفة وتغيير جلده مع كل عمل فنى يقدمه إحدى أهم مميزات الفنان الناجح، ومعيار هام لتقييم مسيرته الفنية، لكن أن يظل الممثل داخل إطار شخصية واحدة، وأداء حركى أقرب إلى الثبات فى معظم أدوراه من لا يذكر إشارة يديه اللا مبالية بمن حوله، يرفع رأسه لأعلى ويُسبل عينيه متأففا، مترفعا عن صغائر المحيطين به أو قدراتهم العقلية المحدودة من وجهة نظره. أو يرفع وجهه إلى السماء داعيا: أيتها السماء صُبى غضبك على الأغبياء.
أداء تميز به لكنه ضد قوانين التنوع فى الفن، تلك الحالة من الثبات والتكرار قد تؤدى بأى ممثل إلى الفشل واتهامه بالتكرار وافتقاد الموهبة، لكن على العكس تماما فكل تلك السمات التى قد تصل بصاحبها للذبول والانحسار قادت "النابلسى" إلى التألق والنجومية وحفر اسمه فى تاريخ السينما كحالة فنية متفردة وأداء مميز لا يشبه أحد.
بدأ النابلسى حياته الفنية من خلال الشاعر خليل مطران -صديق والده- فبعد أن جاء النابلسى إلى القاهرة للالتحاق بالأزهر توسط له مطران لدى يوسف بك وهبى ليعمل معه فى المسرح، لكن النهاية كانت أسرع مما تخيل مطران بعد أن أفسد النابلسى العرض المسرحى، واضطر يوسف وهبى لإسدال الستار إنقاذا للموقف، وإنهاء العرض وإنهاء علاقة النابلسى بالفرقة.
ثم جاءت فرصته للعمل الفنى مع المنتجة آسيا فى فيلم "غادة الصحراء"، ثم فيلم "وخز الضمير" عام 1931 ثم توالت أعماله الفنية، مع أبرز النجوم على رأسهم صديق عمره الفنان فريد الأطرش وإسماعيل ياسين، ثم كون ثنائيا متميزا مع الفنان عبد الحليم حافظ فى عدة أعمال منها شارع الحب 1958 وفتى أحلامى 1957 وحكاية حب 1959 ويوم من عمرى 1961 الذى شارك فيه النابلسى عبد الحليم حافظ الغناء وبعد بعد عرض الفيلم، ونجاح أغنية ضحك ولعب وجد وحب، أرسل النابلسى برقية مازحا إلى عبد الوهاب باعتباره المنتج يطالبه بحقه المادى لأن صوته على الأسطوانة.
فرد عليه موسيقار الفن والتجارة محمد عبد الوهاب ببرقية "يا حبيبى أنت اللى لازم تدفع لنا لأن صوتك بالأغنية أخر بيعها. "
اقتحم النابلسى عالم الصحافة على شاشة السينما كمصور صحفى لكنه فى الواقع كان كاتبا صحفيا له أسلوب أدبى مميز حتى أن الإعلامية اللامعة ليلى رستم أطلقت على كتاباته "الأدب النابلسى" بعد أن تألق فى تقديم باب "نجوم على الأرض" بمجلة المصور ثم مجلة الشبكة، عبر خلاله بقلمه عن خالص محبته لزملائه، فكانت صور أدبية أقرب إلى عذوبة الشعر وبساطة الصحافة. مزيج خاص صنعته موهبة عبد السلام النابلسى الصحفية، فكتب عن فيروز: تراتيل قديسة، وأصداء كنيسة.. ابتهال مساجد، وصلاة عابد فى المعابد.. صوتها نور وبخور، ونفحة من عطور.. وآه لو أرخت لصوتها عنانه، ودعمت بالطرب الشرقى كيانه.. إذا لكانت ماذا أقول إعجاز غير معقول.. بل آرانى أقول هى كما هى فى جبين لبنان غرة وعلى صدرها درة.
وعن الفنانة صباح التى أطلق عليها شمس الشموس وظل اللقب ملازما لها كتب النابلسى: أميرة.. ملكة.. لا بل إمبراطورة تغنى.. شمس الشموس.. نارها نار إبراهيم، تدفئ القلب ولا تحرقه.. زاهية كجوهرة.. بارعة مثل كليوباترا.. باهرة كإلهة.
فى حوار إذاعى سُئل عبد السلام النابلسى لماذا لم يتزوج رغم تجاوزه تجاوز الستين، وكان أشهر عازب بالوسط الفنى قال: ماتخلقتش البنت اللى يتجوزها عبد السلام النابلسى.
فى الليل رن هاتف منزله حاملا إليه صوت إحدى معجباته تحتج على ما قاله فى حواره الإذاعى، ثم توالت مكالمات جورجيت حتى طلب النابلسى مقابلتها، فعرض عليها الزواج بعد خمس دقائق من أول لقاء جمع بينهما، وعندما طلبت جورجيت منحها فرصة للتفكير. رد عليها بطبيعته المعهودة: تفكرى أيه؟ دى فرصة عمرك.
وتزوجا يومها ولم تعد جورجيت لبيت أهلها لأنها توقعت رفضهم الزواج من عبد السلام النابلسى لفارق السن الكبير جدا بينهما واختلاف الديانة، وبعد علم أهلها بالزواج طالبوا النابلسى برجوعها البيت، حتى يتأكدوا من أوراق الزواج، ثم رفضوا أعادتها إليه فقرر النابلسى خطف زوجته من بيت أهلها، ثم اختفيا حتى تقبل أهلها زواج دام خمس سنوات حتى وفاة النابلسى فى يوليو 1968 بلبنان.