كانت رغبة عائلتى هى التحاقى بكلية الطب، ولكن ميولى رفضت رغبتهم، كنت أعلم جيدًا أننى إن التحقت بهذه الكلية سوف أتخرج طبيبة فاشلة، لم تكن ميولى للعمليات الجراحية والأدوية وتشريح جسم الإنسان.... إلخ. لقد كانت اهتماماتى لمشاعر النفس البشرية وليست أجهزتها، كان يتملكنى يقين بأن سلامة الأعضاء تأتى بسلامة ونقاء الشعور واكتفاء الإحساس بالعاطفة. وكنت استشعر الدور القوى للإعلام بأنواعه فى التأثير على سلامة النفس البشرية ولذا كانت ميولى الالتحاق بكلية الإعلام.
ومع مرور السنوات جاء مجموعى بالثانوية العامة ضد رغبة أهلى وضد رغبتى أنا أيضاً. والتحقت بكلية التربية ولكننى لم ينتابنى الإحباط بل تخرجت منها الأولى على الكلية بامتياز. وهنا قمت بتحقيق رغبة أهلى بأن أحمل لقب الدكتورة ولكن بالجامعة. كما قمت بتحقيق رغبتى بالوصول للإعلام وتوصيل علم النفس من خلاله للتأثير على المتلقى.
عزيزى القارئ، لم يكن مقالى لسرد حكاية قبل النوم ولكنه لإثبات أن عدم حصولنا على ما نرغبه من مجموع أو ما يرغبه أهالينا من جامعة هو ليس نهاية حياتنا. فبإمكاننا الوصول لما تهوى أنفسنا وتتجه ميولنا باجتهاداتنا وحبنا الصادق لما نهوى وليس بالمجموع والكلية. هذا لا يعنى عدم السعي. ولكن بعد السعى إن لم يتحقق مرادنا فلابد أن نعلم أنه هو القدر الأفضل .
لا أرجع أسباب إحباطات الطلاب والطالبات إليهم ولكن لأهاليهم الذين يقيمون حالة من الطوارئ فى المنازل، ويغيب عن استيعابهم أن الكثير من النظم التعليمية تظلم النفس البشرية وميولهم للابتكار والإبداع، وبالتالى فهى ليست مقياسا لذكاء الطالب أو تفوقه.
إن أردتم التفوق لأبنائكم فتعاملوا معهم فى مرحلة الثانوية العامة كما تتعاملون معهم فى باقى المراحل. لا تحرمونهم من أوقات المرح والرياضة والأصدقاء، لا تجعلوا أوقاتهم جميعها للدروس الخصوصية واحتضان الكتاب لحفظ المعلومات . إن أردتم الصحة النفسية لأبنائكم فلا تعطوا مرحلة الثانوية العامة أكبر من حجمها فى الاهتمام، فكم من طبيب فاشل وكم من لاعب كرة ناجح. النجاح ليس بالمجموع ولا بالكلية ولكنه يأتى بممارسة ما تهواه النفس.