الثانوية العامة وسنينها

لا يخلو الحديث والكلام هذه الأيام من أخبار نتيجة الثانوية العامة وأفراح الناجحين وأحزان الراسبين، وأصحاب المجاميع الكبيرة والصغيرة فى نفس الوقت، والتى لا تمكن أى طالب أو طالبة من الالتحاق بالجامعات والكليات المرغوبة.. وهذا الشىء يتكرر فى مصر منذ عشرات السنين بلا توقف ويعيش الشعب والأسر المصرية هذه المأساة السنوية دائما وأبدا، لأنه لا يوجد بيت مصرى خاليا من ابن أو ابنة أو قريب أو حتى جار يشاطر ويشارك جيرانه أفراحهم أو أحزانهم عقب إعلان نتيجة الثانوية العامة. والملاحظ أن هذا العام كما سابقيه إلا من انحسار أعداد الحاصلين على المجاميع التى تخطت الـ95% وهذه كانت ظاهرة غريبة فى كل الدول إلا بالطبع مصر، التى اعتادت دائما وأبدا أن تبهر العالم فى كل شيء حتى الثانوية العامة ومجاميعها.. وهنا لا بد أن أتذكر حوارى مع زميلة لى فى العمل عندما التقيتها ووجدتها حزينة بعض الشىء وبادرتها بالسؤال: "مالك إنتى زعلانة من حاجة"، فردت بحزن أكبر: "زعلانة علشان بنتى نجحت فى الثانوية العامة وجابت 91% ودى مصيبة لأنها لن تدخل كليه كويسة"، وبالتالى كل أحلامها وأحلامنا انهارت، ولم أصدق نفسى من ردها الذى زلزلنى بسبب الآتى.. طالبة بعمر الـ18 عاما تجتهد وتتعب فى دراستها وتظل فى ضغط عصبى ونفسى كبير من الأسرة ثم تنجح وتحصل على 91% وتنهار وتنهار أسرتها بأجمعها معها، ولا تستطع تحقيق حلمها بدراسة ما ترغب به وتتحول حياة وواقع هذه الأسرة إلى حزن واكتئاب شديد لأنها سوف تبدأ مرحلة البحث فى الجامعات الخاصة ذات المصروفات المرتفعة، وبالتالى فإن معظم - إن لم تكن غالبية الأسر المصرية - لا تستطيع توفير مصروفات هذه الجامعات نتيجة للحالة الاقتصادية الحالية التى تمر بالبلد، وبالتالى فأنا متفهمة للحالة التى بدت عليها زميلتى بالعمل وغيرها من مئات أو آلاف الأسر المصرية الذين يعيشون هذا الواقع الأليم وبعبع الثانوية العامه وما بعدها. والحقيقة المرة والمؤلمة أيضا أننا نعيش فى أكذوبة كبيرة جدا وما زلنا، ولا أجد حتى الآن أى ملامح أو مؤشرات للخروج من هذا العبث فى التعليم الذى من المفترض أن يقبل عليه الإنسان برغبة وحب شديد من أجل تحسين حياته ومن أجل مستقبل أفضل لكن فى بلدنا فإن التعليم يكبد الإنسان المصرى كل أشكال وألوان المعاناة والتعذيب القصرى والجبرى، ولا يقتصر ذلك على طالب العلم فقط ولكنه يتخطى ذلك ليشمل العائلة والأقارب والجيران والأصحاب والمتعاطفين وغيرهم. وعندما أتذكر يوم إعلان نتيجتى فى الثانوية العامة وكم كان يوما صعبا بكل المقاييس عندما أبلغتنى زوجة خالى قبل والدتى بحصولى على 82% وكنت وقتها أدبى وكنت من الطالبات المتفوقات، وتمكنت من دخول كلية الإعلام جامعة القاهرة، وطبعا ذلك كان فى التسعينيات وليس الآن أو الماضى القريب وكانت وما زالت من كليات القمة وكانت فرحتى شديدة لالتحاقى بالكلية التى أرغب فى الدراسة بها وهذا وللأسف لا يتيح للآلاف من الطلبة الذين يتخلون عن أحلامهم بسبب نظام عقيم ومتخلف وعفا عليه الزمن. ما أريد ان أقوله للطلبة والطالبات وقبلهم الأمهات والآباء إن نتيجة الثانوية ليست مقياسا لنجاح أو فشل أبنائكم، على العكس تماما، لأن التعليم والتعلم اليوم أصبح له معايير وأسباب وأمور تختلف تماما عما نعيشه ونحياه فى مصر، وليست نهاية الكون أو العالم أن يحصل ابنك على مجموع صغير أو حتى يرسب فى نظام تعليمى منافٍ للتطور والإبداع والفكر وإعمال العقل.. لهذا نرجو من الله أن تتغير هذه الأوضاع المتدنية فى تعليمنا وأيضا نظام الثانوية العامة وسنينها وبعبها والغم والنكد والحزن، والغضب الذى تسببه لكل مصرى ومصرية.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;