قبل أيام خاض منتخب مصر للشباب، تحت 19 عاما لكرة السلة، مباراة ساخنة ومثيرة مع نظيره الإيرانى فى إطار فعاليات بطولة العالم لكرة السلة، التى أقيمت فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة، وفاز فى المباراة منتخب مصر بنتيجة 57 نقطة، مقابل 53 نقطة لمنتخب إيران، وبالرغم من أن الحدث كان رياضيا إلا إنه يعطينا فكرة عامة عن شكل العلاقات المصرية ـ الإيرانية بشكل شامل.
ثقافة استراتيجية ثابتة
يتمتع لاعبو إيران ببنية جسمانية قوية وقامات طويلة وأداء تكتيكى يتماشى مع الثقافة الاستراتيجية لأبناء فارس، وهذا ما أظهروه فى الدقائق الأولى للمباراة، فبدلا من أن تكون الدقائق الأولى لجس النبض، كان أن باغت لاعبو إيران نظراءهم المصريين وشنوا هجمات كاسحة وتمكنوا من تحقيق تقدم كبير بفعل الهجمات السريعة جدا والخاطفة، تلك التى وضعت، إسبانى الجنسية، خوان أورينجا، المدير الفنى للمنتخب، فى وضع حرج.
استمرت السيطرة الإيرانية على مجريات الأمور حتى الدقيقة الثالثة حين استجمع المصريون تماسكهم وحوّلوا التأخر بخمس نقاط إلى تعادل تم تفوق ميدانى فى كل أنحاء ملعب الصالة المغطاة باستاد القاهرة، ومارس صانع ألعاب المنتخب المصرى، محمد أسامة، كل فنون اللعبة وتقلد زمام المباراة كليًا.
حاول الإيرانيون استجماع قواهم أمام المهارات الفردية واللعب الجماعى المصرى، واعتمدوا على طريقة "الضغط بطول الملعب"، لإرباك لاعبى المنتخب المصرى، وهى تقريبا السياسة الإيرانية التى يستخدمها صناع القرار فى السياسة الخارجية من خلال استراتيجية "شد الأطراف" أو الاشتراك فى كل مناطق الصراع بالإقليم (اليمن ـ سوريا ـ العراق ـ لبنان ـ جنوب فلسطين).
حصاد السياسات الضاغطة
مع قرب انتهاء الربع الأول من المباراة، تدارك الإيرانيون الموقف، ونجحت بالفعل طريقة الضغط بطول الميدان، وتقدموا مجددا بفارق نقطة واحدة بفضل صانع اللعب، محمد رضا بهرام، إلا أن التقدم لم يدم لأكثر من بضع ثوانٍ، وعاود المصريون التقدم، ثم انتهى الربع الأول بتقدم إيران بفارق نقطة واحدة.
هذا التأرجح فى تصدر النتيجة أعطى انطباعا عن تقارب مستوى الفريقين، وتقارب مستوى البلدين أيضا ، فمصر وإيران هما صاحبتا أقدم حضارتين فى العالم تقريبا ولهما عدد سكان متشابه، ووجود سياسى فى عصور التاريخ يكاد يقترب من حدود التساوى.
تأرجحت السيطرة على المباراة بين المنتخبين لفترة طويلة من عمر المباراة ، وشكّل اللاعب، أمير حسين آزارى، خطرا شديدا على المنتخب المصرى، غير أن عددا من اللاعبين المصريين، منهم سيف الصناديلى وعبد الرحمن سمير، وعن طريق استراتيجيات "الكرات السُلّمية و"الهجوم الخاطف" و"الأسيست"، نجحوا فى وقف خطورة اللاعبين الإيرانيين وأحرزوا عددا من النقاط الفاصلة فى الخط البيانى للمباراة.
الشخصية الاستراتيجية المصرية
تفوقت مصر على إيران فى كل أنحاء الملعب ، وعززت تفوقها بأن تقدمت 28 مقابل 22 وهو الأمر الذى اضطر المدير الفنى للمنتخب الإيرانى إلى طلب وقت مستقطع لتدارك التفوق المصرى، وقلة الحيلة الإيرانية أمام "الشخصية الاستراتيجية المصرية".
حاول الإيرانيون تغيير خطة اللعب عن طريق التصويب من مسافات بعيدة، لكن تلك الاستراتيجية ووجهت بحوائط صد منيعة وحصينة من جانب المصريين، ومع مرور الربع الثانى من المباراة فقد الإيرانيون القدرة تماما على تسجيل أى نقطة عن طريق التصويب متوسط وبعيد المدى.
مرت الدقائق صعبة على الإيرانيين حين اتسعت الفجوة بشكل ساحق لصالح المصريين، وأظهروا روحا قتالية شريفة فى المباراة، وحققوا بفضل تماسكهم وتوحدهم و"رباطهم"، تقدما بفارق 10 نقاط كاملة فى الدقيقة 1:26 من عمر الربع الثانى.
الحلال فى السلة والحرام فى السياسة
فى الربع الثالث أدرك الإيرانيون الفارق فى المستوى وحاولوا الدفع باللاعب المهارى، إحسان صمدى، فى صدارة المشهد، ونجح بالفعل فى تقليل الفارق عن طريق التصويبات الثنائية التى رفعت الروح المعنوية لزملائه فى الملعب، مستغلا حالة الثقة الزائدة التى تعد أحد الطباع الأصيلة فى الشخصية المصرية، وعدّل النتيجة فى الدقيقة 2:00 لتصبح 40 مقابل 40.
مارس الإيرانيون الحلال فى كرة السلة وقاموا بمناورات متنوعة قادها، القصير المكير، رضا بهرام، واعتمدوا على استراتيجية "الأخطاء الشخصية" فى الربع الرابع والأخير من اللقاء؛ بهدف إيقاف ساعة المباراة خاصة مع تقدم المصريين، ووصل عدد الأخطاء الشخصية إلى خمسة أخطاء.
اللافت أن التماسك المصرى والروح العالية حالا دون ذلك، وانتهت المباراة بفوز الفراعنة كما هو الحال فى كل ساحات الصراع التى يخوض فيها الطرفان منافسة عبر التاريخ ، بالرغم من أن إهدار عدد من الفرص المحققة التى لا تصدق والتى لا يعرف كيف تم إهدارها ؟!
على كل حال مارس الإيرانيون الحلال فى كرة السلة ، وحاولوا الفوز على المصريين فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة ، فهل يتحلى السياسيون فى طهران بمبادئ الحلال فى العلاقات الدولية ، ويتخلون عن الحرام ، ويلتزمون بتعهداتهم ، ويطبقون فى مكاتبهم بطهران ما يتفقون عليه مع نظرائهم بالقاهرة ، أسوة بلاعبى منتخب بلادهم لكرة السلة ؟!