ما هو الجزء الفاسد فى الإنسان، قلبه أم روحه؟ نعرف أن الله كرم البشرى على جميع الخلائق وجعله متفردا بالعقل ومميزا بالرحمة؟ إذن كيف للقلب أن يكون مثقلا بالقسوة إلى درجة قتل «الضنا»، وأى يد هذه التى استطاعت أن تضغط الزناد لتضع رصاصات غادرة فى صدر جزء منها؟ أسئلة كثيرة تجعلنا نعيد التفكير فى كل شىء حولنا خاصة بعد الكارثة الإنسانية الكبرى التى حدثت فى صعيد مصر.
ففى محافظة أسيوط وبالتحديد بمدينة منفلوط رصدت إحدى الكاميرات جريمة قتل بشعة، حيث قام أب بقتل ابنه، لأن الولد كان يحاول أن يمنع أباه من إيذاء أمه فى الشارع بعد ذهابها إلى الطبيب لأنها مريضة، فتجرد الأب من كل مشاعره وقام بقتل ولده أمام الأم ولم تأخذه رحمة أو شفقة به أو بها، كان المنظر فظيعا، ولد مضرج فى دمه وأم تهيل التراب على رأسها وأب لم يهتز له جفن.
ما الذى لوَّث هذا الرجل ولم يجعله ينظر فى عينى ابنه فيرى نفسه فيه؟، وكيف سولت له نفسه أن يطلق غضبه كاملا فى هيئة رصاصة وثانية وثالثة فى قلب ولده؟ لقد ارتكب هذا الرجل فعلا غريبا يخرج به عن كل قوانين الإنسانية، وبالنسبة لى لقد أفسد هذا الرجل أشياء كثيرة فى فهمى للحياة، فقد كنت أظن أن حب الولد فطرة لا يمكن للإنسان أن يتجاوزها، وكان حديث سعيد بن المسيب الذى رواه البخارى بمثابة شهادة على ذلك يقول الحديث: عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل فى الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».
فإن كانت الفرس ترفع حافرها حتى لا تصيب ولدها فما بال الإنسان الواعى القادر على إدراك القيمة، ومعرفة المصلحة، فالأجدى به أن يكون أكثر رحمة خاصة على من يخصونه ويمثلون جزءا منه، لكنه للأسف سيظل دائما الكائن الأكثر تعقيدا فى هذا الكون، لا يستطيع أحد فهمه ولن يفهم هو نفسه أبدا.
وذلك لا يعنى أن نشاهد هذه المآسى الإنسانية ثم نصدم بها وبعد ذلك ننشغل عنها، لا بل على الجميع التنبه لهذا الخطر، وعلى المسؤولين فى هذه الدولة أن يدركوا أن هذا السلوك المقبل من الجهل يتكرر كثيرا المختلف فقط أن هذه المرة اصطادته كاميرا فشاهدناه، لكن هناك آباء كثر يرتكبون الكوارث فى حق أبنائهم دون رقيب عليهم أو عليم بهم.
ربما كانت هذه الكاميرا شاهدا جيدا على الأب، لا يستطيع معها الإنكار، وحتما سيدفع ثمن ما ارتكبه فى حق كل شيء وفى حق نفسه أولا، لكنها ستظل بالنسبة لنا مصدر إزعاج كبير، لأنه رصدت لحظة من التدنى البشرى لا يمكن لإنسان عاقل أن يتخيل وجودها.