أين الثورة ؟.. سؤال سألته لنفسي وأنا أتأمل حال هذا البلد الذي لا يتغير، ولا يبدو انه سوف يتغير، بعد ثورتين من المفترض أن الشعب دفع فيهما الكثير من المال والدم، على الرغم من أن تاريخ كل ثورات العالم يؤكد، أنها دائما ما تنتهي إلى التغيير للأفضل، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لصالح الشعب الذي انتفض و ثار على نظام أو حاكم مستبد.. وهو ما أجده حتى الآن مختلف عما انتهت إليه الأمور بعد ثورتي 25 يناير و 30 يونيه
فلا أدرى أين الثورة؟.. وقد تحولت فيها العدالة الاجتماعية التي كانت أولى مطالب ثورة 25 يناير الى (ثراب) بدليل المستوى المتدني لدخل الفرد الذي انحدر إلى الاسوء بعد الثورتين، والآنيين الذي يسمعه الجميع على السنة السواد الأعظم من المصريين مع اقل زيادة فى الأسعار الى جانب زيادة الفروق الطبقيه، وهبوط مستوى مزيدا من المصريين إلى ما تحت خط الفقر، وما تبعه من انتشار أكبر للجريمة والتسول والسرقة والدعارة والانحراف بكل صورة من أجل سد الرمق وكبت الجوع.
فى الوقت الذى أصبح لا هم ولا حل امام الدولة، سوى فرض الـ (جبايات) على محدودى الدخل، ورفع اسعار المياه، والكهرباء، وكل السلع، والخدمات، الى درجة جعلت الاغلبية العظمى من الشعب (يأن).. فى الوقت الذى عجزت فيه الدوله عن تطبيق الحد الادنى للأجور على اصحاب السطوة والنفوذ، أو ضم الاموال الرهيبه المهدره على الحفلات والسفه فى (الصناديق الخاصة) الى ميزانية الدولة.
ولا ادري أين الثورة ؟.. وأنا أرى كل رموز الحزب الوطني المنحل مازالوا يسيطرون على كل مفاصل الدولة، ويتحكمون فى كل مفاتيح الوزارات والهيئات الحكومية، بل وتصدروا المشهد فى اغلب دوائر الجمهورية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. والأغرب، أنهم لقوا تأيدا من الشعب الذي انتفض عليهم وعلى نظامهم فى 25 يناير 2011.. ولعل ما يزيد الامر غرابه، أن عدد من الاحزاب القديمة والحديثة ـ والتى كانت جميعها ضد نظام مبارك ـ سعت إلى استقطاب عدد من نواب الوطني السابقين ووضعتهم على رأس قوائمها أملا فى الحصول على عدد أكبر من المقاعد، هى ذات الاحزاب التى كانت تطالب بتطبيق العزل السياسى عليهم.
لا أدرى أين الثورة ؟.. والفساد مازال ينخر فى عظام كل مؤسسات مصر، لدرجة انه زاد وتضخم عما كان عليه خلال حكم مبارك ـ طبقا لتصريحات مسئولين بأجهزة رقابية ـ فى ظل غياب قبضة الدولة، وعدم وجود تشريعات رادعه تقتلعه من جزوره، وتحمى المبلغين والشهود،وتمنح الحق الصحفيين فى الحصول على المعلومات.
ولا ادرى أين الثورة؟.. وحجم التجاوزات على أملاك الدولة طبقا لتصريحات الحكومية يزيد عن الـ 200 مليار جنية " وكأن هذه الأملاك غير معروفه أو محصور، أو أن من يضعون أيدهم عليها مجهولون، أو هربوا بها الى بلاد أخرى.
لا أدرى أن الثورة ؟.. و أنا أرى "الحرية" التي خرج الشعب من اجلها فى الثورتين تتحول إلى فوضى، بعد أن وجد الجميع فى الحرية المغلوطة التي نادى بها الشعب فرصة للتجاوز، وكأنه لا وجود لـ حكومة ولا هيبة لدولة، ولا دين، لا أخلاق، لا قيم، لا عادات، ولا تقاليد، لدرجه جعلت وصلت بالبعض الى حد التشكيك علانا فى الدين، والحديث بوقاحة شديد عن اطلاق حرية الدعارة، والاعتراف بالمثليين.
لا أدرى أين الثورة ؟ .. فى كذا، وكذا، وكذا، إلى ما لا نهاية.. وكأن شيئا لم يكن.. وكفى