من المنطقى أن يعترض مشايخ السلفيين والجماعات الدينية على مبادرة استعادة المصريين المختطفين إلى التطرف والفتاوى الشاذة والتصورات البعيدة عن العصر والمنطق، من خلال أكشاك الفتوى بمحطات المترو أو جولات مشايخ ودعاة الأزهر على المقاهى لتنبيه الناس وتوعيتهم.
ومن المفهوم أن يسعى مشايخ الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية مثل الإخوان إلى الهجوم على مبادرة الأزهر والأوقاف، لأنها باختصار تقضى على السبوبة التى يعيشون عليها، ويؤسسون من خلالها نفوذهم ومصالحهم فى الداخل والخارج، بعد أن أصبحوا أدوات فى أيدى أجهزة استخباراتية عربية وغربية، تعمل بفكر شيطانى على نشر التطرف والعنف فى المجتمع المصرى من أجل تفتيته وجره إلى حروب طائفية وفوضى تحت شعار نشر الإسلام الصحيح أو حمايته والإسلام منهم برىء.
لكن غير المنطقى وغير المفهوم أن تبادر تيارات مدنية وتنويرية ومحسوبون على أحزاب اليسار والناصريين بمهاجمة الفكرة من أساسها، والتحذير منها بدعوى أن أكشاك الفتوى تنشر مع الوقت التطرف فى المجتمع والاتجاه الهروبى إلى التدين الظاهرى، بدلا من مواجهة مشاكلنا الحقيقية فى التصنيع، وتناقص رقعة الأراضى الزراعية وشح المياه وتراجع جودة التعليم والرعاية الصحية وارتفاع معدلات العشوائيات والفساد.. إلخ.
والحق أن المعترضين والخائفين من أكشاك الفتوى على المجتمع يخلطون بين عدة أمور، ويجانبهم الصواب فى فهم ما وصلنا إليه من عنف وتطرف وكذا دور الدين فى المجتمع، فهم يعتبرون أنه لا فرق بين الجماعات الدينية المتشددة عموما، ورجال الأزهر والأوقاف وهذا خطأ كبير، ويعتبرون كذلك أن أى جهد فى مناقشة الناس على أرضية دينية ونزع التوجه المتطرف والعنيف والتصورات المغلوطة عن الدين من أدمغتهم لا يؤدى إلا إلى الغرق فى مد دينى جديد يشبه ما فعله السادات فى المجتمع، عندما استدعى الإخوان وجماعتهم لمواجهة الناصريين والشيوعيين، فكانت مأساة الجماعات الجهادية فى السبعينيات والثمانينيات التى انتهت بمقتله وهذا أيضا خطأ كبير.
نحن فى مجتمع يحيطه الإرهاب والعنف من كل ناحية، وفى داخله كذلك بؤر للتطرف والعنف، وأول ما يفعله المتطرفون أنهم يختطفون الدين ويثبتون تصوراتهم المنحرفة عنه، على اعتبار أنها صحيح الدين ويسممون بها حياة الناس، فيحولونهم من مسالمين إلى قتلة وانتحاريين ومن متعايشين متسامحين مع المختلفين عنهم إلى طائفيين قساة ودعاة فتن، وصراعات لا تصب فى مصلحة المجتمع بل تدمره، وهنا دور أكشاك الفتوى فى مواجهة هذا الفكر المتطرف، ورد المصريين المتدينين بطبعهم إلى التسامح والمحبة والتصور الأرحب عن الدين أنه علاقة بين العبد وربه، بينما الدنيا هى دار للعمل والبناء والاجتهاد، وفرق كبير بين التصورين لبناء المجتمعات والحفاظ عليها من خلال الفكر الدينى.
أما قصة السادات وعفريت الجماعات المتطرفة ودور مخابرات دول عربية فى إقناعه بشراء أمريكا من خلال السماح بعودة الإخوان، فهو حديث آخر فى وقت آخر.