المعنى الرائع فى افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، هو معدن الجيش المصرى، كالفولاذ النقى الذى تزيده الأحداث صلابة وقوة وبريقا، رسالة للعدو والصديق بأن هذا الجيش هو قلب مصر، الذى يضخ الدماء المتدفقة فى شرايين الوطن، يحمى ولا يهدد، يصون ولا يبدد، لا تثخنه أحداث ولا تثنيه تحديات، وعقيدته القتالية مزيج بين التحديث المستمر، والتقاليد العسكرية الرفيعة، لا يرفع سلاحا إلا دفاعا عن الحق، ولا يطلق رصاصة إلا فى وجه من يمس سلامة الوطن وأمن المواطنين.
رسالة بصوت عالٍ لمن تخيلوا أنهم يمكن أن يسقطوا مصر، أو يولوا أمرها لجماعة خائنة، تآمرت على وطن عظيم، وأرادت أن تخرج به من سياق الاستقرار والبناء والتنمية، إلى مستنقع الفوضى والخراب والدمار، فانشقت الأرض عن هؤلاء الذين شاهدناهم فى العرض العسكرى، يوجهون إنذارا شديد اللهجة، بأن كيد من يضمر شرا لمصر، سيرتد إلى نحودهم، فلمصر البقاء ولهم الفناء.
المعنى الرائع هو رد الاعتبار لمحمد نجيب، الزعيم الشعبى المحبوب، الذى كنا نشاهد جولاته فى السينما قبل عرض الأفلام، واضعا عصاه تحت إبطه، فرحا بشوشا والجماهير تلتف حوله، ولو استمر فى الحكم، كان يمكن أن يجنب البلاد كواث كثيرة، بسبب قلة خبرة الثوار وحماسهم واندفاعهم، ولم يطيقوا أن يسرق منهم الجماهير والأضواء، فأطاحوا به وحبسوه فى قصر زينب الوكيل فى ضاحية المرج.
تسمية أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق باسم محمد نجيب، سمو بالأخلاق العسكرية المصرية الأصيلة، ورسالة رائعة رغم أنها جاءت متأخره، فمصر لا تنسى أبناءها المخلصين مهما طال الزمن، صحيح أن ثورة يوليو ظلمته ونكلت به، ولكنها تقاليد العسكرية المصرية، عقيدة تأبى الظلم وترفع الغدر مهما طال الأمد، وسوف يأتى يوم تنصف فيه الرئيس مبارك وترد اعتباره، بعد أن تهدأ العقول ويتصالح الغضب.
المشير عبدالحكيم عامر يستحق أيضا التكريم، فهو أول من حمل لقب مشير فى القوات المسلحة المصرية، فى وقت تكالبت فيه كل قوى الشر على مصر، وكان له الفضل هو والرئيس عبدالناصر فى كسر احتكار السلاح وتنويع مصادره، والحصول على أول صفقة أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، ولم يكن عامر وحده المسؤول عن هزيمة يونيو، فالمسؤولية الكبرى تقع على الرئيس عبدالناصر، ولكن تقرر أن يكون عامر كبش فداء، ومات واخذ سره معه.
مصر تتوحد فى لحظات الخطر وأوقات المحن، وعندما نقول إن هذا الوطن مستهدفا، ويتعرض لمؤامرة كبرى، فهذا ليس من قبيل الفزاعة، ولا الاستثمار السياسى للخوف، فقلوبنا لا تعرف الخوف، بعد أن امتلأت بالطمأنينة، ولدينا ثقة راسحة وإيمان لا يتزعزع، بأن الإرهاب إلى زوال، وأن الاغتيالات المستمرة لشهدائنا الأبرار، سواء فى سيناء أو فى الداخل، لن تنال أبدا من هؤلاء الشجعان، ويعلم الإرهابيون علم اليقين، أنها لن تنال وطنا ولن تضعف الجيش والشرطة، ولن تهز شعره فى رأس هؤلاء الأبطال، الذين شاهدناهم يزأرون كالأسود فى قاعدة محمد نجيب العسكرية.
يدرك الإرهابيون جيدا أن قتل جندى أو ضابط، لن يكسبهم سنتيمترا واحدا فى ساحة المواجهة، ولا يجرؤون على الظهور العلنى، ويتحركون كقطاع الطرق فى الظلام، يضربون ويفرون خوفا من قوة النيران الهائلة، التى يمكن أن تحيل أجسادهم رمادا وأسلحتهم حطاما، ولا تتسم جرائم الإرهاب بأى نوع من الجرأة والشجاعة، بل شدة الجبن والخسة والندالة، وإذا خرجوا من تحت الأرض فلن يكتب لهم البقاء.
الإرهابيون لا يستهدفون إلا إلحاق الأذى والضرر بالمواطنين، عقابا لهم على موقفهم الشجاع من العصابة الإرهابية، التى أسقطوها من على مقاعد السلطة، فأصبح بينهم وبين المصريين ثأر، ولا يدركون أنه كلما سقط شهيد، ارتفعت جبال الكراهية ضدهم، فهم لا يقتلون عدوا يحتل بلادهم، وإنما شباب مصريون شرفاء يؤدون خدمتهم فى الدفاع عن البلاد، وردع من تسول له نفسه الإضرار بها.
عندما نقول إن مصر تتعرض لمؤمرة كبرى، فهذا ليس من قبيل الفزاعة، والدليل الدامغ هو أن دول الخليج اعترفت فى بيان الرياض، الصادر منذ ثلاث سنوات، بأن قطر تعبث فى الشأن الداخلى المصرى، وتقدم دعما كاملا الجماعات الإرهابية، وطالبتها أن تكف عن ذلك، وأن تمتنع عن تقديم كل الدعم للإرهاب، وجاء الاعتراف متأخرا، بعد أن تأكدوا من صدق ما تقوله مصر، واكتشفوا تآمر قطر على السعودية والإمارات والبحرين، وأنها قدمت دعما كبيرا للجماعات الإرهابية الكامنة فى تلك الدول، لإحداث نفس السيناريو الذى جرى تنفيذه فى مصر ودول الجحيم العربى.
رسالة الرئيس للأمير الضال «خليك فى حالك» واحذر انتقام الحليم إذا غضب، فهذا وطن له درع وسيف، ويستطيع أن يرد الصاع صاعين، لكنه يرتفع فوق الصغائر، ولن ينسى أبدا ثأر شهدائه الأبرار، وسوف تدفع ثمن خيانتك وتآمرك، ولن تنفعك القواعد العسكرية الأجنبية التى تحميك، قبلك كثيرين فعلوا هذا، ولم ينجوا من مصيرهم الأسود، ونهاية كل خائن وعميل.
تكرار العمليات الإرهابية فى سيناء، لن يضعف الهمم والعزائم ولن ينال من الروح المعنوية للمصريين.. فقد ارتفعت رءوسهم واطمأنت قلوبهم بأن وطنهم فى أيد أمينه، يحرسه شبابهم وأبناؤهم وأقاربهم الذين شاهدناهم بالعرض العسكرى.. وتسلمى يا مصر.