اتفقنا أو لم نتفق يشكل التاريخ قلب هذه الأمة، لأننا ببساطة حتى الآن أمة تعيش على تاريخها، كتبنا تمتلئ بذكر أبطالنا، وشوارعنا تتزين بأسماء شهدائنا، وحضاراتنا القديمة ترتبط بأى حدث فى بلادنا، حتى عاطفيا قلوبنا تميل لكل ما هو قديم ويدغدغ مشاعرنا كل ما عليه تراب من عبق التاريخ، فإذا فرح أحدنا تذكر أن هذه الفرحة ستكون أجمل لو كانت بين جديه ووالديه، ولو حزن أحدنا أسرع للمذياع يستمع لشجن أم كلثوم، حتى فى المشاجرة ستجد أول كلمة ينطق بها المتشاجران فى ذات الوقت نحن من آل فلان أو ابن فلان.. من الآخر نحن أمة غارقة حتى النخاع فى تاريخها.
وبالتالى أصبح التاريخ دون أن ندرى بأحداثه وأمثاله ومرادفاته ومعانيه جزءا مهما من اتخاذ قراراتنا وأداء تصرفاتنا وتكوين وجهاتنا.. إذن ماذا لو كان هذا التاريخ مغشوشا؟
سؤال يحتاج مرة أخرى إلى كثير من التوقف والفحص ثم الإجابة عليه، لأنه ببساطة هناك من تعمّد أن يصنع التاريخ لا أن يكتبه كما يكون، وهذا ما ستكتشف حقيقته بعد الكثير من القراءة فى هذا المجال، فهارون الرشيد لم يكن خليفة ماجنا، وكافور الإخشيدى لم يكن حاكما سيئا، وأحمد عرابى كان وطنيا صادقا لكن عسكريا فاشلا، وإلى غير ذلك من آلاف الأحداث التى ستراها مرة أخرى من منظور مختلف، لأنه عندما نكتب التاريخ فإننا نكتبه كما نراه، ناهيك عن أن وجهة نظر كاتبه يكون لها دور أساسى فى تلك الكتابة، ولكن عندما نصنع التاريخ فإننا نفصل ثوبا من القماش كما نحب أن يكون، وكما نحب أن تقرأه الأجيال القادمة.
حتى هذا المجال لم تتركه القوى العظمى للغلابة مثلنا فصنعت هذا التاريخ لها، من يتذكر سكان أمريكا الأصليين؟! ولكن الجميع يعرف الغرب الأمريكى ورعاة البقر، ونسى الجميع أن هناك شعبا بالكامل قضى نحبه على يد المنفيين من بريطانيا اسمه الهنود الحمر، أخاف على شعوبنا فى يوم من الأيام أن تقص التاريخ وتكتب فيه عن سوبر مان وباتمان، وتنسى خالد بن الوليد وعلى بن أبى طالب.
كارثة تحيط بِنَا ولا بد أن ننتبه لها سريعا، فكمية المعلومات المغلوطة التى تحيط بِنَا من وسائل الإعلام المختلفة وكذلك التواصل الاجتماعى يجب أن يكون هناك جدار يفصلها عن عقول أبنائنا، حتى لا تضيع هويتنا فى زمن العولمة، فلا بد أن نعيد قراءة تاريخنا بعيدا عن أيدى الصناع والحرفيين، ثم نحمى هذا التاريخ ونسقيه لأبنائنا حتى لا ننسى أن فلسطين عربية، وأن مصر زعيمة العرب بتاريخها ومواقفها، وأن هذه الأمة كانت فى يوم من الأيام تقود العالم المتحضر بأجمعه.