يقول المؤرخون لفن السينما: إن بدايات هذا الفن فى مصر كانت تشير إلى أن مستقبل هذه الصناعة سيكون مبهرا وناجحا، من حيث العدد والجودة، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن له علاقة بما توقعه المؤرخون، فلم يعد هناك سياق واحد تسير فيه التجارب السينمائية، حيث ازدهر الفن السابع، كما يطلق عليه، فى أوقات معينة، وتراجع فى أوقات أخرى، وبالمجمل، فإن ما نقدمه حاليا أقل بكثير مما كان متوقعًا.
المهم أن الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، أعلن فى مؤتمر «دور الشباب فى الإصلاح الثقافى»، الذى انتهت فعالياته الخميس الماضى فى مدينة الأقصر، أن الوزارة بصدد إنشاء شركة لصناعة السينما.
وفى مسألة تدخل الدولة فى صناعة السينما هناك فريقان، الأول يذهب إلى أن حل أزمة السينما فى مصر يتطلب تدخل الدولة فى عملية الإنتاج، هذا الفريق يرى سببين ضروريين يدفعان لذلك، الأول أن تدخل الدولة حتما سوف يوقف ما يسمونه «الانهيار»، الذى أصاب المضمون لأنها سوف تقدم نوعًا من الفن الذى يحترم العقل، ولا يخضع لمغازلة الغرائز طوال الوقت، والسبب الثانى أن هذه الصناعة إذا تمت إدارتها بشكل جيد، فسوف تحقق عائدا ماديا يسهم فى بناء اقتصاد الدولة.
بينما يرى فريق آخر أن تدخل الدولة ليس فى مصلحة أحد لا السينما ولا الدولة ذاتها، لأنها لن تكون قادرة على صناعة سينما ترضى الجمهور الأساسى، وهم الشباب الذين يبحثون عن توليفة معينة، ويعتبرون مشاهدة هذا الفن فى دور العرض نوعا من الخروجة اللطيفة، التى لا تحتاج وصاية فكرية من أحد، كما لا يتوقعون أن تحقق الدولة عائدا ماديا من وراء ذلك.
وفى رأيى لا مانع أن تخوض الدولة، ممثلة فى وزارة الثقافة، هذه التجربة، بشرط أن تلتزم بقواعد اللعبة، وأن تعرف جيدا من هو الجمهور الذى سيذهب إلى السينما، وأن تشارك أفلامها فى المواسم، التى يكون عليها إقبال مثل الأعياد والمناسبات، وألا تظل تصنع فى الفيلم سنوات وسنوات حتى يمل الناس من متابعة أخباره.
من الممكن أن تشارك الدولة بقوة فى صناعة السينما، بشرط ألا تقود الأمر عقلية بيروقراطية يهمها إمضاء الممثل المشارك على وصل بـ«مائة جنيه» قبل أن ينتهى من تصوير المشهد، لأن الموظف سوف يغادر مكتبه فى الثانية ظهرا، بل يجب أن تقود الأمر عقليات تجارية تعرف قيمة ما يحدث فى سوق السينما وليس فى الشارع الثقافى.
نعم.. من الممكن أن تحقق السينما عائدا ماديا للدولة، إذا قدمت أفلاما صالحة للمشاهدة العائلية، وبعيدا عن الفلسفة الوجودية، فما الذى يمنعها أن تقدم أفلاما كوميدية يشارك فيها نجوم متحققون فى الوقت الراهن، وليس نجوم الصف الثانى أو من تراجعت نجوميتهم.
ومن الممكن أن تحقق الأفلام التى تنتجها الدولة نجاحا وعائدا ماديا، إذا ما جعلنا كل قصور الثقافة تحتوى دار عرض بسعر مخفض بعض الشىء، وبالتالى سيحرص كثيرون على مشاهدة الأفلام هناك.