لا يأمن الصهيونى على حياته إلا داخل أسوار، وقبل دولة إسرائيل «الحلم المزعوم»، كانت «جيتوهات» اليهود تحكم وجودهم فى مختلف دول العالم، وبعد عملية السطو التاريخية على دولة فلسطين عام 1948 أصبحت «المستوطنة» هى وسيلة الوجود داخل الأراضى المحتلة، وفى السنوات الأخيرة ابتدعت القريحة الصهيونية فكرة «الجدار العازل»، الذى تقيمه حول المناطق الفلسطينية لتحول بجبروتها الجغرافيا البديعة إلى سجون كئيبة.
ويستمر مسلسل الإبداع الإسرائيلي، فقبل أيام خرجت علينا صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بخبر عن استعداد الحكومة الإسرائيلية لبناء «حاجز تحت الأرض» بطول ثلاثة كيلومترات على الحدود مع مصر خوفاً من تمدد أعمال «داعش» الإرهابية عبر الأنفاق من سيناء، وذلك بوصفه «إجراءً أساسياً لحماية المجتمعات المتاخمة لقطاع غزة»، وذكرت الصحيفة أيضا أن تكلفة هذا الحاجز تتخطى الـ3 مليارات شيكل (العملة الإسرائيلية)، وأنه سوف يكون مطابقاً للحاجز الذى يجرى بناؤه حالياً على طول حدود غزة، والذى وافقت عليه الحكومة بعد عملية «الجرف الصامد» عام 2014، بعد أن اكتشفت أساليب جديدة للمقاومة الفلسطينية، شملت حفر الأنفاق للتسلل إلى إسرائيل.
ورغم ما يحققه الجيش المصرى من نجاح باهظ التكلفة، للقضاء على الإرهاب فى سيناء من خلال ضربات ساحقة وملاحقات مستمرة للعناصر الإرهابية تجلت فى عملية «حق الشهيد» التى وصلت إلى مرحلتها الرابعة، فإن قيامه بتدمير ست فتحات أنفاق بين غزة وسيناء قبل شهور، أثار القلق الإسرائيلى من «داعش»، على حد وصف الصحيفة الإسرائيلية.
لا تقرأ إسرائيل التاريخ إلا وفق ما يصادف هواها، تنزع منه قصصاً وتدس عليه حكايات كى تصل إلى سيناريو خاص ووحيد يحكم نظرتها للدنيا وللآخرة أيضاً.
لهذا لم تنتبه جيداً إلى القصة الكاملة لـ «سور الصين العظيم»، أشهر وأقوى حائط دفاعى شُيد فى التاريخ، وكيف أنه لم ينجح فى حماية الصينيين من خطر المغول (القبائل المنغولية)، حيث إن جنكيز خان قائد التتار المشهور قاد جيوشه فى عام 1211 ميلادياً وعبروا سور الصين وانتشروا كالجراد، واحتاج الأمر ستين عاماً حتى سقطت الصين كاملة بيد المغول، وذلك على يد حفيده كوبلا خان، فأعلن نفسه إمبراطوراً للصين عام 1271 وحكمها لمدة مائة عام تقريباً.
وربما نسى الإسرائيليون أيضاً «فقرة الجدار» فى خطاب السادات التاريخى أمام الكنيست عام 1977 عندما قال: «لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان. وعلينا أن نعترف معًا بأن هذا الجدار، قد وقع وتحطم فى عام 1973».
وربما يحتاج الشعب الإسرائيلى أن يعيد قراءة خطاب السادات كاملاً، ويتدبروا رسائله ويتوقفوا كثيراً أمام كلماته التى ما زال صداها يدوى فى نفوسنا حتى اليوم.. «املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام. املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام. اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر. اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال».
الأسوار لا تحمي..
والحواجز لا تبقي..
والجدار مهما ارتفع (أو تعمق) يسقط أمام حركة التاريخ.