لا يوجد أسوأ من الذين يحاولون غسيل العقول بمادة «الكذب الكاوية»، بهدف تشويه الحقائق، والقضاء نهائيا على أية قريحة للإنسان تدفعه للتفكير الصحيح، وإعلاء شأن الحقائق.
وبعد 25 يناير 2011 وحتى الآن، ظهرت جماعات وحركات وائتلافات، ونشطاء ونخب، ما أنزل الله بها من سلطان، جميعها نصبت أنفسها المالك الحصرى للحقيقة والمعرفة، وما دونهم فهم من العبيد والمطبلاتية الذين لا يفقهون شيئا، لذلك تجدهم ومع كل مصيبة يتعرض لها الوطن، يخرجون كقبائل يأجوج ومأجوج فى استعارهم وليس عددهم، يحاولون غسل عقول الناس بمادة «الكذب الكاوية»، وتشويه الحقائق، وإشعال الصدور بنار الغضب، لإثارة البلبلة.
هؤلاء لا يستطيعون أن يعيشوا سوى فى نار الفوضى وعدم الاستقرار، وكلما زادت نيران الفوضى والانفلات الأمنى اشتعالا، زادت نجوميتهم، وحصلوا على أموال طائلة، وتصدروا المشهد العام منفردين، وكأنهم نجوم تتلاشى من حولهم نجومية وشعبية الفنانين من عينة «محمد رمضان وليلى علوى وزينة»، ونجومية لاعبى الكرة من عينة «محمد صلاح ورمضان صبحى وحسام غالى وعماد متعب»، وكل نجوم المجتمع تختفى، وتبقى نجوميتهم فقط من خلال مطاردة الإعلام «المتلون» لهم فى كل مكان.
هؤلاء ومن أجل مصالحهم الشخصية ارتموا فى أحضان أمريكا وقطر وتركيا، وجماعة الإخوان الإرهابية، وحازمون، وغيرها من التنظيمات الحقيرة العابثة بمقدرات وأمن وأمان مصر، وجميعهم يتساوى، فى إظهار أسوأ أنواع الخيانة، تجاه بلادهم تحت شعار ثورية سمجة ومقيتة جميعها تصب فى تأجيج الفوضى وضرب الاستقرار، وكأن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية ترتكز فقط فى القتل والحرق والتدمير والدعوة للخروج فى ثورة يوميا، وتدشين كل الشتائم والسباب الوقحة، واستدعاء الخارج للتدخل فى الشأن الداخلى، أما حقوق الإنسان فى العيش آمنا مستقرا، وفى العلاج والتعليم والسكن والعمل، بجانب توفير المأكل والمشرب، فهى من حواديت ألف ليلة وليلة الأسطورية بالنسبة لهم.
هؤلاء أنفسهم تجدهم يطفون على سطح الأحداث مع كل مصيبة، سواء استشهاد ضباط جيش أو شرطة، أو تصادم قطار أو غرق سفينة، أو انتصار يحققه فريق كروى أجنبى ضد نظيره المصرى، ليتشفوا ويمرحوا، ثم تجدهم يخرجون أيضا فى حملات تسفيه وتسخيف من أى إنجاز تحققه مصر!
وأمس الأول الجمعة، وجدناهم يخرجون فى طوابير طويلة كقبائل يأجوج ومأجوج، يحاولون توظيف حادث تصادم قطارين بالإسكندرية لمصلحتهم الشخصية، والمتاجرة به فى سوق النخاسة السياسى، ووزعوا اتهاماتهم على خصومهم بالوقوف وراء الحادث، وتناسوا أن حوادث قطارات السكك الحديدية فى مصر قديمة، وحادث احتراق قطار الصعيد رقم 832 صباح يوم 20 فبراير 2002، ليس ببعيد عن الأذهان، بجانب سلسلة حوادث القطارات فى العياط.
يتفق جميعنا على أن الحادث مأساوى، فأرقام الضحايا كبيرة وتدمى القلوب، وتدفع إلى الحزن المغلف باليأس والإحباط الشديدين، لكن إذا أردنا وضع حد لهذه الكوارث الدامية، لا بد من مناقشة الأسباب الحقيقية، والعمل على حلها جذريا وليس بالمسكنات والمراهم، مثلما كان يحدث فى السابق، سواء بإزاحة وزير النقل أو رئيس الهيئة من مناصبهما، وكأنهما وراء تكرار الحوادث، فكم وزير ورئيس هيئة تم إقالتهم واستبعادهم من مناصبهم عقب كل حادث موجع، ومع ذلك استمرت الحوادث المآساوية ولم تتوقف؟!
القضية يا سادة، التدهور الرهيب الذى ضرب قطارات وخطوط السكك الحديدية طوال العقود الماضية، بجانب غياب الضمير، والتصرفات غير المسؤولة من السائقين والعاملين بالهيئة، مثلما شاهدنا بأعيننا فيديو سائقين «يدخنون مخدر الحشيش» أثناء سير أحد القطارات، والفيديو ما هو إلا حالة أمكن رصدها وتسريبها صدفة، فما البال ببالقى السائقين؟
لا نريد أن نكون قساة، ولا يجب تعميم الحالة على جميع العاملين بهيئة السكك الحديدية، وإنما يجب وضع الفيديو كخريطة استرشادية، تمكن الإدارة من الاعتكاف لدراسة الحالة، ووضع خطة تطوير شاملة تشمل البشر قبل الآلة، لأن هناك لغطا شديدا أحدثه الفيديو، وفتح أبواب الأسئلة الجهنمية، منها، أين الكشف الطبى وإجراء تحاليل المخدرات على كل السائقين وبشكل دورى؟!
من هنا يبدأ التفكير المنطقى والعقلانى فى إيجاد حلول جذرية للمشكلة، وليس بالمطالبة بتغيير رئيس الحكومة ووزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية، وإنما بالاعتكاف لدراسة موطن الخلل وبسرعة، من خلال لجنة تضم علماء وخبراء محايدين يضعون روشتة علاج سريعة وناجعة تعالج المرض ولا تسكنه.
وأول العلاج إخضاع السائقين لرقابة صارمة وتوقيع الكشف الطبى وإجراء تحاليل مخدرات بشكل دورى، واستبعاد كل ما يثبت تعاطيه المخدرات أو غير قادر على العمل، فورا ودون هوادة، لأن الأمر إذا تعلق بحياة الناس لا بد التعامل معها بجدية وصرامة شديدة، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار ما يتردد بأن «عماد حلمى» سائق القطار رقم 13 المتسبب الرئيسى فى حادث تصادم قطارى الإسكندرية، سبق له التسبب فى حادث قطار رقم 686 على خط إيتاى البارود- القاهرة أو ما يطلق عليه «خط المناشى» عام 2013، عندما تسبب فى خروج قطاره عن القضبان عند «أوسيم» بعد تجاوزه السرعة أيضا، وأنه معروف بين زملائه بأنه كثيرا ما يفصل جهاز «أيه تى سى» المسؤول عن التحكم فى مسيرة القطارات، حتى يتمكن من القيادة بسرعات كبيرة، ولا يتلزم بأى تعليمات.
الأمر جل خطير، ويحتاج إلى تدخل جراحى لبتر الأعضاء الفاسدة والمفسدة، فى هيئة السكك الحديدية المسؤولة عن حياة الناس، وليس بإقالة وزير أو رئيس هيئة.
ولك الله يا مصر..!!