تعظيم سلام لجهاز الرقابة الإدارية، الذى أصبح كلمة السر فى كشف قضايا الفساد.. تعظيم سلام لرجاله الذين لا تغمض أعينهم من أجل بلد نظيف من الفساد والفاسدين.. تعظيم سلام له فى القبض على نائبة محافظ الإسكندرية، الدكتورة سعاد الخولى، أمس الأول، داخل ديوان عام المحافظة، عقب ثبوت تورطها فى وقائع فساد، بينها الرشوة والإضرار بالمال العام والتربح من استغلال وظيفتها.
وهذه القضية ضمن مسلسل قضايا كشفها جهاز الرقابة الإدارية فى العامين الأخيرين، مما يبعث الأمل لدى المواطن، ويؤكد للجميع أنه مهما طال عمر الفاسد، فإن الدائرة ستدور عليه يومًا، وتكشفه وتفضحه، كما يؤكد انتهاء السنوات الطويلة التى عشنا فيها، وسوس الفساد ينخر فى أجهزة الدولة أمام أعيننا، دون أن تكون هناك إرادة لمقاومته، ويؤكد أنه لا سبيل إلى تقدمنا إلا بحرب مزلزلة لهذا الأمر، دون النظر إلى مناصب الذين يتورطون فيه، بدليل أن هذه الحرب طالت وزراء.
الدرس الذى يجب أن يلتفت إليه كل مسؤول فى موقعه، مهما طال به الوقت، أن الرقابة الإدارية لا تنخدع بالجزء الظاهر فى السلوك الوظيفى للمسؤول، وقصة سعاد الخولى شاهدة على ذلك، فهى الملقبة فى الإسكندرية بـ«المرأة الحديدية»، وهى من قالت «إوعى حد يفكر إنى ست، أنا بمليون راجل، وباعرف أتعامل مع الناس كويس»، وهى صاحبة الجولات الميدانية الكثيرة فى كل شوارع الإسكندرية، وتختلط بالناس بشكل دائم، وهى الموظفة التى حازت ثقة المحافظين الذين عملت معهم، فأسندوا إليها ملفات مهمة، وهى الموظفة التى لم يظن الكثير من أبناء الإسكندرية أنها ستقع، ويبدو أن هذا الاعتقاد تأسس بقدر ما من يأس ناس عاديين يحاربون الفساد، ويشعرون فى وقت ما بفقدان الأمل، فيتسلل الإحباط إلى نفوسهم، وتأسس من هذه السيدة نفسها، بقدرتها على تصدير السلوك الذى يبعث بثقتها من نفسها، وأن أجهزة الدولة تثق فيها، وبالطبع فإنها لديها من المواصفات والمؤهلات التى تساعد على ذلك.
ووفقًا لتدرجها الوظيفى، بدءا من تخرجها فى كلية الطب البيطرى عام 1981، وحتى شغلها منصب نائب محافظ الإسكندرية منذ عامين ونصف العام، نحن أمام سيدة شديدة الطموح، ولعابها يسيل على المنصب الأكبر من المنصب الذى هى عليه، ويقولون فى ذلك إنها منّت نفسها بمنصب المحافظ عقب رحيل كل محافظ عملت معه.
كل هذا الجانب الظاهر فى السلوك الوظيفى لسعاد الخولى لم يخدع جهاز الرقابة الإدارية، لأنها ببساطة تعمل على الجزء الغاطس فى هذا السلوك، وهو الجزء الذى يتففن الموظف العام الفاسد فى إخفائه، ظنًا منه أنه سيكون بعيدًا عن أعين الرقابة، والأكيد أن المرة التى يستطيع فيها كل مسؤول فاسد الإفلات بفساده، تغريه وتزيده طمعًا، فيمضى فى طريقه الضال، حتى تقع الواقعة، ولوعدنا إلى سيرة هؤلاء سنجدهم بالفعل أبناء هذا المسار.
يقينى أن الضربات المتتالية التى يوجهها رجال الرقابة الإدارية ضد الفاسدين فى مؤسسات الدولة، تجعل كل مسؤول يجلس على كرسيه يراجع نفسه ألف مرة لو عرض عليه أحد رشوة.
ويقين الجميع أنه لم يتقدم أى بلد مهما أوتى من موارد وإمكانيات والفساد ينخر فيه، ولهذا فإن أى مواجهة له، علينا أن نكون فى ظهر البلد كسند.