هل تعلمون أن هناك ملايين العرب الذين يعيشون فى ظروف بائسة فى إقليم خوزستان الإيرانى الغنى بالنفط والماء؟ لا بأس، فأنتم معذورون إن كنتم لا تعلمون. الحقيقة المخزية هى أن العالم العربى غافلٌ عن معاناتهم، وأنه نادراً ما يأتى الإعلام الغربى أو العربى على تسليط الضوء على محنتهم.
إنهم عرب الأحواز المنسيّون فى عربستان، تلك المنطقة التى كانت فى ما مضى خاضعة لحكم الخلفاء الأمويين والعباسيين. وعام 1925، قام الشاه رضا اللاهث وراء النفط بضمّها إلى بلاده، ووضعَ حاكمها العربى الشيخ خزعل الكعبى من المحمرة فى السجن حتى وفاته.
وكأن الحياة فى ظل السلالة البهلوية لم تكن قاسية بما يكفى على أبناء عربستان، فإذا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية تُمعن فى دوس حقوقهم كافة وحرمانهم من أبسط مبادئ حقوق الإنسان، وتَحكم عليهم بالعيش فى الفقر المدقع، وتحاول القضاء على هويتهم العربية.
عدد كبيرٌ منهم فى ضائقة شديدة ويجد نفسه عاجزاً عن إعالة أسرته. يعانى نحو 81 فى المئة من الشباب من البطالة لأن الأولوية فى التوظيف تُعطى للفرس الذين نُقِلوا للإقامة فى الإقليم. لقد بدأ أبناء عربستان يفقدون أى بصيص من الأمل.
الشهر الفائت، نُشِر مقطع فيديو عبر موقع "يوتيوب" يَظهر فيه رب أسرة أحوازى فى مقتبل العمر يُحرق نفسه قبل أن يفارق الحياة فى المستشفى؛ وقد انتحر ما لا يقل عن أربعة أرباب أسر شنقاً، هرباً من الاضطهاد الإيرانى والتمييز العرقي-الديني.
علاوةً على ذلك، تتعرّض بيئتهم للدمار بسبب الممارسات السيئة التى تلجأ إليها الشركات النفطية والكيميائية، ما يؤدّى إلى تصحّر الأراضى الزراعية، وتلوّث الأنهر، ونفوق الطيور والأسماك، فضلاً عن الزيادة فى تفشّى اضطرابات التنفس.
كلما اجتمعوا معاً للتعبير عن مظالمهم المشروعة، يضرب النظام بيدٍ من حديد مستخدِماً مزيداً من القوة والقمع، عبر اعتقال المتظاهرين الذين غالباً ما يتعرّضون لأشد أنواع التعذيب.
على الرغم من كل الظروف المناوئة والمشقّات، هؤلاء القوم الذين هم أشبه بالسجناء فى الأرض التى احتضنت أجدادهم، هم عربٌ وطنيون بكل ما للكلمة من معنى – ما خلا أقلية صغيرة جامحة ومسبِّبة للفوضى تتألف من الشيوعيين والموالين لجماعة "الإخوان المسلمين". ينظر عرب الأحواز إلى مجتمعاتهم بأنها خط الدفاع الأول ضد التوسع الإيرانى، وحصن عازل بين طهران ودول الخليج العربي.
لم تنجح المحاولات التى بذلها الفرس، سواءً عبر حظر لغتهم أو لباسهم التقليدى أو منعهم من إطلاق أسماء عربية على أبنائهم وبناتهم، فى تحطيم عقولهم وأرواحهم العربية.
لم تكن إيران تمارس التمييز بين السنّة والشيعة العرب قبل ثورة 1979 عندما اختلق آية الله روح الله الخمينى وهماً أسماه الشيعة المحرومين تحقيقاً لمآربه الخاصة. الحقيقة هى أن الإيرانيين تعرّضوا للخداع من أجل إيهامهم بأن السنّة والعرب هم أعداؤهم الطبيعيون، وأن الملالى الذين يحكمون البلاد هم الحماة الذين يزودون عن الطائفة الشيعية.
لا تناصر إيران الشيعة إلا عندما يصبّ ذلك فى إطار تحقيق مصالحها الاقتصادية أو أجنداتها الأساسية المتمثلة فى نشر أيديولوجيتها التى تعود إلى القرون الوسطى، وتحويل البلدان العربية إلى دمى تحرّكها كما تشاء سعياً إلى بلوغ هدفها الأقصى، ألا وهو السيطرة على الأماكن المقدسة الإسلامية.
من الأمثلة الحديثة عن الغدر الإيرانى "حرب الأربعة أيام"، أى النزاع الذى اندلع فى أبريل 2016 بين أذربيجان ذات الأكثرية الشيعية الساحقة وأرمينيا ذات الغالبية المسيحية والتى كانت مصممة على القضاء على الجبهة الأذربيجانية-التركية التى كانت ملامحها قد بدأت تلوح فى الأفق. تبنّت إيران، التى لطالما اعترضت على عمل شركات النفط العملاقة الغربية فى المنطقة المعروفة بـ"رف قزوين"، موقفاً مؤيّداً لأرمينيا.
فى السياق عينه، ليس الدعم الإيرانى للقضية الفلسطينية سوى واجهة أخرى الهدف منها استمالة القوميين العرب السذّج، كما كتب عبدالله العتيبى قبل سنوات عدة فى صحيفة "الشرق الأوسط".
ينقل العتيبي، فى مقاله، عن الرئيس الإيرانى الأسبق هاشمى رفسنجانى قوله: "لقد استفدنا من طرح عرض القضية الفلسطينية، التى كانت قد دخلت طى النسيان، وتمكّنّا عبرها من إقامة علاقات جديدة مع العالم الخارجى وتطويرها".
لا مفر من الإشارة إلى التناقض الشديد بين ادّعاء إيران النُّبل والشهامة فى موقفها من الاحتلال الهمجى لفلسطين من جهة، وسلوكها تجاه المواطنين العرب على أراضيها من جهة ثانية، والذى يعكس سلوك البلاد التى تطلق عليها طهران اسم "الشيطان الصغير".
لعرب الأحواز أفئدة شجاعة وأصوات قوية لا تلقى آذاناً صاغية لأنهم يفتقرون إلى الدعم ليس فقط من المجتمع الدولى إنما أيضاً من العالم العربي. نعم، إنهم ينشدون، على غرار الفلسطينيين، دولة مستقلة، لكنهم واقعيون أيضاً، إذ يتعذّر تحقيق ذلك بين ليلة وضحاها.
فى الانتظار، يتوقون إلى الحصول على دعم معنوى وديبلوماسى من أشقّائهم العرب، وهو ما لم يتحقق بعد. ويسعون تحديداً إلى الحصول على الاعتراف من جامعة الدول العربية من خلال منحهم مقعداً بصفة دولة شريكة أو مراقِبة.
هذا ما أطالب به منذ بعض الوقت، لكن يبدو أن هناك دولتَين تعارضان هذا الطرح. ليس صعباً أن تحزروا مَن المقصود بذلك. إنهما الدولتان اللتان تكبّلهما قيادتهما الخاضعة لإيران، وتجرّدهما من كرامتهما الوطنية.
بصريح العبارة، الأنف الفارسى الطويل والمعرقل هو الذى يقود جامعة الدول العربية بطريقة غير مباشرة. يجب الإقرار بالأحوال المؤسفة التى آلت إليها الأوضاع، وتصويبها عبر تغيير القواعد والتنظيمات بما يُتيح لأكثرية مؤلَّفة من ثمانين فى المئة مثلاً من أعضاء الجامعة العربية إقرار القرارات وفرض العمل بها.
لقد خُذِل عرب الأحواز مرةً تلو الأخرى، وطُعِنوا فى الظهر من قبل منظمة "مجاهدى خلق" المتطرفة التى تدعى انها حليفتهم ضد النظام. لقد طُرِحت قضيتهم على النقاش فى مجلس العموم البريطانى بحضور ممثّلين عن وزارة الخارجية البريطانية والسفارة الأمريكية والمجموعات الحقوقية والنوّاب، إنما لم تُتَّخذ أى خطوة إيجابية فى هذا الإطار.
عرب الأحواز ثابتون فى وقوفهم إلى جانبنا. نظَم شاعر أحوازى شاب يدعى أحمد سبهان أبياتاً نابعة من صميم القلب يخاطب بها العاهل السعودى جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، مبجِّلاً خصاله القيادية فى تحرير اليمن من "حوثيى الظلام". فكان مصيره الاعتقال مع زوجته والتعذيب.
إزاء لامبالاة المجتمع الدولى والأصفاد التى تكبّل جامعة الدول العربية، أتوجّه بكلامى هذا إلى أسدَين عربيين رحومَين، الملك سلمان وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
فلنبرهن لهذا الشعب الذى يرزح تحت وطأة المعاناة منذ وقت طويل أنه ليس متروكاً لوحده. فلنرفع رايتهم ونعمل فى سبيل قضيتهم. فلنحمل عالياً لواء هذه القضية فى الأمم المتحدة ونرفع الصوت عاليا من أجلهم، ولنسلّط الضوء على محنتهم عبر وسائل الإعلام العربية. هيا بنا نصرخ بأعلى صوت بأننا جميعنا أعضاء أباة فى الأمة العربية التى نعتزّ بانتمائنا إليها، وبأننا نأبى أن ننسى عرب الأحواز الأوفياء فى عربستان.