هل نحن بالفعل دولة مدنية ديمقراطية حديثة كما نص دستور 2014؟ أم نحن دولة دينية؟ هل يحكمنا الدستور والقانون اللذان لا يتعارضان مع مبادئ الشريعة الإسلامية والقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية؟ أم نحن لانزال تحكمنا حرفية النص الدينى؟ هل الدستور والقانون يفرقان بين المصريين فى حقوقهم وواجباتهم على أى أساس دينى أو عرقى أو اثنى أو جغرافى أو لغوى أو فكرى؟ أم أن الدستور يحرم ويجرم التفرقة بين المصريين على أى أساس، بل لا تسقط هذه التفرقة بالتقادم؟ هل يوجد فى مصر أقليات عرقية أو اثنية تختلف عن مجمل المصريين فى الجنسية أو الانتماء أو الجينات الحضارية؟ أم أن المصريين هم مصريون يربطهم التاريخ وتضمهم الحضارة ويعيشون على جغرافية واحدة، عاداتهم وتقاليدهم وآمالهم ومصريتهم واحدة، هل المصريون المسيحيون كأقلية عددية هم غير مصريين؟ أم أن الجميع الأصيل والوافى على مدار التاريخ قد استطاعت مصر أن تصهر الجميع فى البوتقة المصرية فأصبحوا جميعا مصريين بكل ما تحمله الكلمة من معان وواقع؟ إذا لماذا هذا الصراع الطائفى البغيض الذى كان ولايزال ولا نرى أملاً كبيراً أن يندثر فى المستقبل القريب؟ وإذا كان القانون والدستور والتاريخ ووحدة المصريين تجعلهم يعيشون بلا تفرقة أو صراع أو مواجهة غير مواجهة العدو الخارجى والتحديات للمصير المشترك فلماذا هذا الصراع؟ وهل هذا المناخ الطائفى يضم كل المصريين أم أنهم قلة فى الإجماع المصرى تؤجج وتشجع هذا الصراع من هنا وهناك؟ نعم هناك خلاف فى العقيدة الدينية بين المصرى المسلم والمسيحى، فهل هذا الخلاف هو السبب الرئيسى الذى يسبب هذه الطائفية؟ أم أن هناك دائما أيد وجماعات لا تعيش بغير المتاجرة بالدين وتأجيج المشاعر والعواطف الدينية لما للدين من قدسية خاصة للمصرى الذى جبلت جيناته الحضارية على هذا التدين حتى لو كان شكلا بعيدا عن صحيح الدين والإيمان؟ نعم هناك جانب من التاريخ يقول إن هناك ممارسات اضطهادية تمت على الأقباط فى العصور المختلفة، لم يكن فيها الحاكم مصريا فكان العسف والجور يقع على المصرى المسيحى فى شكل اضطهاد دينى وعلى الآخر المسلم فى شكل سياسى وعرقى، نعم هذا التاريخ وتلك الممارسات كانت تحدث تلك المواجهات الطائفية كانت لأهداف سياسية فى المقام الأول لصالح ذلك الحاكم غير المصرى وإن كان مسلما.
نعم لا شك أن الحكم العثمانى باعتباره أخر حلقات حكم غير المصريين قد بنى على أسس طائفية وأرسى نظاما مجتمعيا طائفيا يعتمد على سياسة الملل والنحل، والأخطر أن هؤلاء الحكام قد اعتمدوا فى تبرير أفعالهم الشائنة وغير الأخلاقية على فكر دينى غير سليم لا يتطابق مع مقاصد الإسلام من خلال تفسير واجتهاد وتأويل يخضع النص لكى يبرر ما يريد ويحلل ما يفعل وكله باسم الدين والدين بجوهره وقيمه وأخلاقه ومقاصده منهم براء، فقد استمرت تلك الممارسات حتى أخذت بوادر التقدم الحضارى والسياسى تجد طريقها إلى مصر ولو بشكل حثيث، فتم تجنيد المسيحى وألغى الرق وألغيت الجزية وصدر الخط الهمايونى 1856 والذى كانت فى ذلك الوقت وثيقة دستورية متقدمة تحدد حقوق غير المسلمين.
وصعد فى المجال العام شخصيات مسيحية حصلوا على الأراضى وعلى الرتب، ومع ذلك كان الصراع يظهر كل فترة نتيجة للتراث الطائفى الموروث، حتى وجدنا المؤتمر القبطى فى أسيوط 1911 وردا على ذلك كان المؤتمر الإسلامى فى الإسكندرية، حتى كانت هبة 1919 التى شاركت فيها النخبة القبطية بعد طلبهم هذا من سعد زغلول مما أوجد مناخاً مصرياً حقيقياً يقلل من حدوث الطائفية.
كان دستور 1923 الذى أقر حرية العقيدة، عرفنا الديمقراطية وتحدثنا عن حقوق الإنسان ودبجنا الدساتير التى تؤكد الحقوق والحريات، هناك بالتأكيد تغير إيجابى يتجه إلى التصعيد، هناك ممارسات عملية بعد 30 يونيو ومن السيسى شخصيا لتأكيد المواطنة للمصرى بعيدا عن الدين، ولكنه التراث الطائفى والتهاون فى مواجهة المتاجرين بالدين والمرتزقة باسم الدولة الدينية، تهاون فى مواجهة الذين يعطلون الدستور ويسقطون القانون ويسخرون من الانتماء، الذين يصرون على أن نحكم بدولة رجال الدين وأن نتحمل ما ينتج عن تفسيرهم للنص بما يخدم ما يريدون قاصدين رفض الآخر الدينى بالمطلق الشىء الذى يسىء إلى الإسلام وكأن الإسلام يرفض الآخر بما يبرر اتهام الإسلام بالإرهاب، فبغير تفعيل الدستور وتطبيق القانون بلا تفرقة بعيدا عن التوازنات السياسية التى تكون فى غير موضعها مع جماعات لا تعرف السياسة ولا تقيم وزنا للتوازنات، بل تدير الأمور بشكل صفرى، فكيف يعطى الدستور حقا مطلقا للعقيدة ونرى ما نرى ما يتم للمصريين المسيحيين، حتى إنهم يضطرون للصلاة فى الشارع، بل يمنعون من ذلك؟ هل هذه ممارسات تؤكد مدنية الدولة وتبنى الوطن وتحافظ على التوحد وتنمى الانتماء؟ هذا ليس فى صالح مصر ولا المصريين ولا صورة الإسلام السمحة، بل هذه سلوكيات تصر على تديين الدولة لصالح جماعات لا يعنيها مصر ولا المصريون، الدولة المدنية، حقوق المواطنة بلا تمييز، تطبيق القانون، عدم خلط الدينى بالسياسى، هو الحل حتى تكون بالفعل مصر مثلاً وقدوة كعادتها، ولكل المصريين. حمى الله مصر وشعبها العظيم.