فى «زوجات أبى» يقدم نبيل عمر مشاهد من حياته وزيجات الأب المتعددة، التى تجعل حياة الراوى وأسرته أشبه بركاب سفينة غارقة. مع حرص الأم عزيزة خطاب على استكمال حياة أبنائها ومعالجة التأثيرات الكارثية لنزوات أب يفتقد إلى المسؤولية، تضع رأسها تحت ماء الصنبور لتبريدها من النار المشتعلة تحسبا للأيام السوداء التى ستحل بالراوى وإخوته، لأسابيع، أو أشهر، يختفى الأب وتنتقل إلى كفر مناوهلة، حتى يعود بهدايا طالبا الصفح.
وفى كل مرة لا ترده الأم، فأين تذهب بالصبيان الأربعة، ثم إنها تحرص على صورة الأب فى عيون أبنائه، وبالرغم من مغامرات الأب الكارثية لايحمل الابن الراوى حقدا تجاهه، لكنه لا يمكنه إخفاء مشاعره انحيازا لأمه وكفاحها بشكل يجعله حريصا وهو يقترب منها فى سيرته، وكأنه يحمل لها شعورا أقرب للتقديس.
هناك طوال الوقت اختلافات نظرية حول الخيط الفاصل بين الرواية والسيرة الذاتية. الروايةُ فى تعريفها الشائع فن يوفق بين شغف الإنسان بالحقائق وحنينه للخيال، وهو وصف يمتد إلى رواية السيرة الذاتية التى تبقى عملاً أدبياً، يلعب فيه الخيال دورا مهما، فضلا عن أن الفاصل فى النهاية، هو مدى قدرة الكاتب على تقديم عمل للقارئ، يتجاوز الذاتى الخاص إلى الإنسانى الأكثر اتساعا وعمومية، ويترك تأثيره بعد انتهاء العمل فى صور ومشاهد تظل عالقة ما بعد انتهاء القراءة.
وفى «زوجات أبى»، هناك الكثير مما يبقى عالقا فى الخيال من تفاصيل إنسانية وتحولات، يقدمها الكاتب بسلاسة، ومن دون ملل.
وبالرغم من التكثيف الشديد فى وصف عالم زيجات الأب فقد كانت كافية للتعبير عن تحولات وتقلبات الأسرة والأم، ويظل النصف الأول من العمل أكثر تعبيرا عن تشكيل وجدان الراوى، وعندما يواجه الأب صارخا ومعاتبا يتوقف عن الزواج، لتبدأ رحلة الابن فى تقديم الشخصيات الأكثر تأثيرا فى حياته.
وتبدو قصة الخالة «منبية» نموذجا لقصص الحب غير المروية فى الريف، منبية أحبت عبد الحارث، لكنهما لم يتزوجا بسبب رفض عائلة عبد الحارث، ويجبروه على الزواج من أخرى، تتزوج منبية لكنها تنغص حياة زوجها حتى تحصل على الطلاق وتقبل أن تكون زوجة ثانية لعبد الحارث وتتقلب الأحوال حتى تصبح منبية الزوجة الوحيدة.
على العكس فإن قصة سعدية وجابر، يتزوجان عن حب، ولا يحدث إنجاب، وتحت ضغط الأسرة يتزوج جابر لينجب، فتطلب سعدية الطلاق وتنفصل عن جابر وكل منهما يبكى، ينجب جابر تتزوج سعدية وتنجب. وتظل على حبها لجابر حتى يموت.
نبيل عمر يقدم ما هو أكثر من سيرة ذاتية، فهو يروى قصص حب نادرة، وينتقل إلى تفاصيل عالم آخر أثر فى الراوى، من معلمين وصحفيين، وأصدقاء وزملاء، هى تفاصيل تكوينه النفسى وثقافته ومن حوله، لكن تظل هناك مشاهد أكثر قوة فى عالم الراوى. وهنا يختلط الخيال بالواقع، ليتجاوز السيرة إلى الحكى الروائى المتقطع، متنقلا من كفر مناوهلة حيث والدته وقرية أبخاص، حيث مسقط رأس والده، إلى شوارع شبرا، والقاهرة.
ومع أن نبيل عمر يقدم سيرته، فهو يتراجع ليقدم شخصيات ومواقف وأحداث تصنع عالمه، ويتواضع ليقدم نصا ممتعا، يتجاوز الذاتى الى الإنسانى، ويخلو من الملل فى أغلب أجزائه، ويحمل قدرا من التشويق يضع «زوجات أبى»، ضمن الأدب الإنسانى، والتأريخ الاجتماعى لمساحات فى عمق الريف المصرى إلى هامش وعمق المدينة.