إنها السنة الخامسة على التوالى، التى تواصل فيها دولة ميانمار قتل وتشريد بعض شعبها، متهمة إياهم بالإرهاب، ومعتمدة على أنهم أقلية لن يفعلوا شيئا ولن ينتصر لهم أحد، هذه الأقلية تمثل نحو %4 من عدد السكان هناك، وقد وقعت لى مفاجأة كبرى تمثلت فى أن رئيسة وزراء هذه الدولة، واسمها سان سو تشى، حاصلة على جائزة نوبل للسلام سنة 1990، عندما كانت وقتها فى جانب المعارضة، ولا أفهم كيف تتقبل امرأة حصلت على هذه الجائزة وقوع إبادة إنسانية، وربما تكون هى أحد المخططين لهذا الأمر، لذا نضم صوتنا مع منظمة «الإيسيسكو» للمطالبة بسحب جائزة نوبل للسلام من رئيسة الوزراء.
منذ نحو عام كتبت فى هذا الأمر الذى ازداد سوءا وقلت: «لست قادرا على تخيل ما يحدث فى هذا البلد الآسيوى، الذى ما كنا سنسمع عنه لولا هذه الأحداث الدامية، التى تزداد بشكل يومى، ولولا تفكيرها الشاذ جدا، القائم على إلغاء شعبها والتفكير فى إبادته بادعاء أنه مهاجر غير شرعى، وذلك لمصلحة طائفة دينية أخرى هم الهندوس، بما يعيدنا إلى عصور التخلف والقتل باسم الدين الذى يبدو أمرا مطبوعا فى النفس الإنسانية بوجه عام.
التهجير والقتل والاغتصاب والحرق والتجويع هو ما تحمله الصور والفيديوهات التى تملأ صفحات الإنترنت، لكنها أبدا لا تتجاوز هذه الصفحات، ندخل لنعلق ونتحسر ونلعن ونطالب بإنقاذ البشر هناك من يد الجزارين، الذين فقدوا إنسانيتهم، ثم نخرج شاعرين بالإحباط العام، لكن بلا جدوى حقيقية، عارفين أن غضبنا لا يملك قدرة حقيقية للتحقق.
المسلمون فى العالم، خاصة فى البلاد العربية، لا صوت لهم فى هذه القضية، هم غائبون لا تحس لهم وجودا، حتى إن الإنسان يتعجب من كون الدول العربية التى تملك مكانة اقتصادية مهمة ليس لها أى تأثير فى هذه القضية، رغم أن العالم تحكمه المصلحة والجوانب الاقتصادية، لكن العرب، فى كل قضاياهم، أثبتوا فشل نظرية أن العالم يحكمه الاقتصاد أو فشلوا هم فى تطبيقها.
أما العالم الخارجى فيبدو أن اشتعال العالم يعجبه، يريد أن تظل هناك حرائق لم تطفأ بعد، حتى يستمرون فى التعليق على شىء ما، أو تريد الحكومات أن تؤكد لشعوبها أنهم يعيشون فى نعمة بعيدا عن الهمجية الموجودة فى البلاد الأخرى، متناسين أن تجاهل همجية الآخر هى نوع من التواطؤ معه تصل لحد مشاركته الإثم.
العالم يدين نفسه عندما تظل هذه المذابح قائمة لمدة تزيد على5 سنوات، دون وجود حل ودون وضوح مستقبل، وذات يوم سوف نجنى نتيجة هذا الصمت الرهيب، الذى يحط بنا، ربما يموت أبناء الروهينجا أو يهجون من الأرض، ووقتها سوف تنتصر الكراهية ونفى الآخر وإلغائه، وبالتالى ستنتشر هذه الثقافة فى الأرض، وستصيب لعنتها الجميع.
لم أتخيل يوما أن يكون الصمت العالمى بهذه الدرجة من السوء، وأن الجميع سوف يصبحون مجرد متفرجين لا يفعلون شيئا، فى انتظار فناء شعب كامل.