العم رضا عبدالرحمن

يشغلنى كثيرا حال الذين يخرجون إلى المعاش، أترقب الذين أعرفهم من أهلى وأقاربى وأصدقائى ومعارفى، أهتم بسلوكهم وطريقة تعاملهم مع الحياة الجديدة التى حلت عليهم بعد أن أنفقوا نحو 35 عاما فى وظائفهم وبعضهم وصل فيها إلى درجة رفيعة. بالطبع تترك العوامل الاقتصادية آثارها المدمرة عليهم، حيث تنخفض رواتبهم إلى حدود فادحة، وسواء توفر للبعض مصادر دخل أخرى أو لم يتوفر فإننى أجد فيهم من ترتفع عنده حالة التدين عما كان عليها وهو فى الخدمة، منهم من ينصرف إلى تقوية مافاته من التواصل مع الأهل والأصدقاء، منهم من ينكفئ على ذاته وأسرته فيتفرغ لمشاكل الأبناء والأحفاد، ولا ينشغل بخارج هذه الحدود. قصة الذين يقضون وقتهم مع المعاش فيها الكثير من المفارقات الإنسانية تحتاج إلى دراسة حالة بما فيها من أوجاع وآلام، وأكثر الحالات التى تثيرنى حال هؤلاء الذين كانوا ملء السمع والبصر إما بسبب وظيفتهم، أو لانغماسهم فى العمل العام، ثم انسحبوا منه بعد خروجهم إلى المعاش، وكأن الوظيفة هى الأصل فى ذلك. سألت بعض المنسحبين من العمل العام كى أفهم، فتنوعت الإجابات، بعضها يتهم الآخرين، وبعضها يقول لسان أصحابها: «كفى ما فات»، وبعضها يذكر أسباب ذاتية، لكنى لاحظت أن الإجابات كلها تجتمع عند معنى واحد هو، أن الحماس يفتر فى مرحلة ما من عمر الإنسان، أما من يبقى على حماسه مع خبرة الحياة التى اكتسبها فيزداد تألقه وبهاؤه وجماله خاصة حين يكون هذا العطاء مدفوعا بمحبة الناس، وحين يكون مقرونا بنكران الذات، وحين يكون الناس أنفسهم هم الذين يحملونك على ألا تتركهم، فلا يسمحوا لك بأن تغلق بابك. فى محيطى الذى أعيش فيه أرى النموذج الأخير فى العم «رضا محمد عبدالرحمن»، والحديث عنه ليس شأنا خاصا، فكل من يعيش فى قرية يعرف أهمية «كبير القوم» بالمعنى الصحيح لهذا التعريف، ويعرف أن كثيرا من المشاكل الاجتماعية تنتهى عند باب هذا «الكبير». و«كبير القوم» ليس وظيفة تفرضها حكومة، ولا تعرفها دواليب العمل فى الدولة، وإنما هى من اختراع الناس منذ القدم، نعم تقوم الحكومات بتعيين العمد وشيوخ البلد، لكن الناس يقدمون برغبتهم واختيارهم على تعيين كبيرهم الذى لابد وأن يمتلك من المواصفات والسمات الشخصية ما يؤهله لذلك، ويؤمن فعلا وقولا بقول الزعيم الوطنى مصطفى كامل: «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط»، والعم رضا عبدالرحمن كان يوما نائبا فى البرلمان عام 1995 بأصوات انتخبته بإرادتها، وذلك بعد سنوات طويلة من العمل السياسى بدأت منذ ستينيات القرن الماضى، واختار فيها أن يكون ضمن تنظيمات الدولة الرسمية بدءا من منظمة الشباب والاتحاد الاشتراكى فى الستينيات ثم الحزب الوطنى، وكانت حسبته فى ذلك بسيطة واتبعها آخرون غيره وهى مصلحة الناس وخدمتهم، وقد تختلف معه أو تتفق فى ذلك، وأنا ممن اختلفوا معه رغم صلة القربى، لكنه عاش بهذا الاختيار شريفا ونزيها وطاهر اليد والذمة المالية، ودخل البرلمان وخرج منه وهو كما هو. لماذا أقول ذلك؟ سؤال قد يبادر البعض به، والإجابة تأتى من أننى أتوقف أمام حالته كنموذج بقى فى العمل العام باختيار وحب الناس له بأن يجعلوه فى منصب «كبير القوم»، هذا المنصب الذى لا يشترى ولا يباع ولا يصدر له قرار مكتوب، وأعتقد أن مثله فى كل قرى مصر يؤدى بقدر ما إلى التوازن الإنسانى والاجتماعى الذى بات مهددا.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;