فى البداية أشكر المسابقات الثقافية التى انتشرت مؤخرا بشكل كبير لما تحمله من جانب إيجابى، خاصة ما يتعلق منها باكتشاف المواهب الشابة، لأننا لا نستطيع أن ننكر دور الجوائز التشجيعية فى مواصلة السير فى طريق الإبداع.. لكن فى الوقت نفسه علينا أن ننكر بعض الأشياء الغريبة، التى تكون عادة كامنة فى شروط المشاركة بهذه المسابقات.
فمن الشروط التى تجعلك تظل شاخصا أمامها، وتدفعك لإعادة قراءتها أكثر من مرة، شرط غريب يرتبط بالمشاركة فى مسابقات الشعر، حيث تذهب بعض الجوائز إلى تحديد أبيات القصيدة بشكل «حاد» جدا، وفى الحقيقة لا أعرف كيف يحدث ذلك، فتخيل معى إحدى المسابقات الصادرة مؤخرا تقول لك فى الشروط «والشعر ما بين 20 و 40 بيتا عموديا أو ما يعادله فى أفرع الشعر المختلفة».
هذه الجملة الغريبة بها أكثر من مشكلة والتباس أولا: اعتراضى على وجود العدد فى الموضوع أصلا، ثانيا جملة: «أو ما يعادله» فهى غير واضحة ولم أجد لها دلالة على مستوى نتفيذها، وثالثا جملة «فى أفرع الشعر المختلفة» فهى لا تقل غموضا عما قبلها، ولم أفهم المقصود بها تحديدا.
فى كل مرة أقرأ مثل هذه المسابقات أحاول أن أضع نفسى مكان واضع الشروط، وأن أشعر بحيرته وهو يحاول أن يحدد شكل القصيدة الواجب إيجاذها حتى لا يصبح الأمر «سداح مداح» خاصة أنه استطاع أن يحدد عدد صفحات الرواية وعدد كلمات القصة القصيرة، ولما كان يعرف أن البيت هو وحدة بناء القصيدة، وهى معلومة قديمة جدا، تعود إلى سنوات دراسته الماضية، التى لم يتجاوزها بعد مع أن الزمن نفسه تجاوزها، أحاول أن أفكر بطريقته، لكننى لا أجد فى الحقيقة أى مبرر يمكن أن ينجو به من هذا الفعل الصعب.
أعرف أن البعض لا يزال يكتب القصيدة العمودية، وأنها لن تنقرض أبدا، وأنها لا تزال تملك جمالياتها المختلفة، لكنها لم تعد الوحيدة فى ساحة الكتابة، بل بالعكس تراجع ترتيبها ليأتى بعد شعر التفعيلة ولن أظلمها لو قلت بعد قصيدة النثر أيضا، وأنا هنا لا أتحدث عن ذائقتى الشخصية، لكن أناقش وضعا عاما، أصبح سائدا يفرض نفسه على كل شىء.
أقول ذلك لأن معظم الشباب الذين تتوجه إليهم هذه المسابقات الثقافية لم يقرأوا قصائد عمودية إلا فى المدارس لكونها مفروضة عليهم، ولم يكتبوها أبدا، وحتى لو فعلوا ذلك مرة فقد شغفتهم بعد ذلك الأشكال الكتابية الجديدة، لذا من الظلم لهم وللقصيدة العمودية أن نطالبهم بالسير على نظامها وأن مقولة «البيت هو وحدة بناء القصيدة» تظل مسيطرة على طريقة تفكير أجيال قادمة.