لا تحسب أننى هنا أريد التقليل من أهمية وصول مصر إلى التصفيات النهائية لكأس العالم المقرر إقامتها بروسيا فى 2018، فلا أحد يكره النجاح لبلده فى كل المجالات، لكن ما يحدث الآن هو أمر غريب بكل المقاييس، فإعلان حالة التعبئة الشعبية العامة لمونديال روسيا لا يدل على شىء سوى تتفيه قضايانا وتهميش مجالات الحياة الأخرى، الآن تجتهد جميع الشركات فى تحفيز اللاعبين وإحباطهم أيضا، البعض يصور الشباب كما لو أن أملهم الوحيد أن يرى منتخب مصر فى كأس العالم، والبعض الآخر يصور كبار السن كما لو أنهم منتظرون فقط صعود مصر إلى كأس العالم لكى يصعدوا إلى بارئهم مطمئنين، لا حديث هنا عن أزماتنا الاقتصادية، لا حديث عن عيوب هذه الشركات الفاشلة التى تهاجم فشل المنتخب فى الوصول إلى المونديال، لا حديث عن طفرة اقتصادية مبتغاة، ولا نمو عقلى منشود، ولا إصلاح ثقافى مأمول، ولا صوت يعلو فوق صوت المدرجات.
فى الحقيقة أنا أستنكر تماما تلك الموجة من موجات الشحن المفتعلة، التى لا يبتغى من ورائها أى طائل سوى استثمار اهتمام الناس ومضاعفته من أجل تحقيق هامش ربح أعلى، والشركات على حالين، الأول تحفيز اللاعبين وإغرائهم بأى شىء وبكل شىء، والثانى إحباط اللاعبين وتسفيههم، ولا أحد يضع الأمور فى نصابها الصحيح، أو يوزع اهتمام الناس بحسب الأولويات الوطنية الكبرى.
أمامنا حرب على الإرهاب لا نمتلك رفاهية الهزيمة فيها، وأمامنا إصلاح اقتصادى لا نملك سوى إتمامه من أجل الاستمتاع بمزاياه الموعودة، وأمامنا إصلاح ثقافى وتعليمى لن نستطيع أن نتقدم خطوة بدونه، وأمامنا إصلاح مجتمعى لإفشاء قيم المحبة والتسامح وقبول الآخر فى مجتمع صار التناحر فيه سمة أساسية، ولدينا جيل لا يعرف شيئا عن هويته لابد أن نسرع فى تعريفه بنفسه قبل أن يتوه فى الكون غير مدرك لتحدياته ولا ملم بثقافته أو تاريخه، ولدينا انهيار فى أغلب عناصر قوتنا الناعمة لابد من التكاتف من أجل إيقافه، نعم وصول مصر إلى كأس العالم أمر مهم، لكنه ليس الوحيد فى قائمة الأهمية.