تعمل إسرائيل منذ 11 سبتمبر 2001 على استغلال الحادث الإرهابى الذى وقع ضد أمريكا، من أجل خدمة عدة غاياتٍ تحاول تحقيقها منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى فقد سعت إسرائيل، و«جماعاتها» المتعدّدة فى الأوساط الغربية، إلى إقناع الرأى العام الغربى، أن عدوه الجديد هو العالم الإسلامى، وبأن هذا «العدو» يحمل مخاطر أمنية وسياسية وثقافية، تماماً كما كان الحال مع العدو السابق، الشيوعية هذا هو ما بدأ به الباحث صبحى غندور مدير «مركز الحوار العربى» فى واشنطن فى دراسته الرائعة والتى حملت عنوان «من حرب أمريكا على الإرهاب.. إلى حرب إسرائيل على العرب والمسلمين».
هذه الدراسة كشفت العديد من الألغاز التى ربطت بين أمريكا وإسرئيل حيث قال غندور فى بحثه إن الغرب يرى فى «الشيوعية» طوال سنوات الحرب الباردة، أنها أكثر من مجرد عقيدة (أيديولوجية) يختارها أفراد أو مجتمعات، فالشيوعية هى أيضاً مجموعة من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تتناقض مع ما يقوم عليه الغرب من مجموعة نظم معاكسة لمفاهيم الشيوعية، وكان «الوجه البشع» للشيوعية يظهر فى الإعلام الغربى من خلال التركيز على التصادم بين أوجه الحياة المختلفة ما بين «الغرب الرأسمالى» و«الشرق الشيوعى»، خاصةً لجهة الحريات الفردية فى الغرب وانعدام حقّ الاختيار فى الشرق.
وقد نجحت إسرائيل فى السنوات العشر الماضية فى تشويه صورة الإسلام فى العديد من وسائل الإعلام الغربية، وفى إعطاء «نماذج» بشعة عن المجتمعات الإسلامية، وفى التركيز على ظواهر سلبية فى العالم الإسلامى من أجل بناء ملامح صورة «العدو الجديد» للغرب.
وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتجعل من واقع أفغانستان تحت حكم نظام طالبان، وكأنه النموذج عن العالم الإسلامى ككل، وعن كيفية فهم الدين الإسلامى وتشريعاته الاجتماعية.
طبعاً، واقع العالم الإسلامى ليس بجنات عدن، لكن حتماً تجربة أفغانستان لا تمثّل إلا نفسها، ولا توجد حالة شبيهة لها فى دول العالم الإسلامى الأخرى، ورغم ذلك فإن الرأى العام الغربى يرى الإسلام الآن من خلال «عيون أفغانية»، ويرى «العرب الأفغان» هم الأسوأ فى هذه التجربة الأفغانية من خلال التركيز على دورهم فى مجموعة «القاعدة»، بحيث أصبح الإسلام الآن فى نظر العديد من الغربيين مزيجا من «التخلف الأفغانى» و«الإرهاب العربى»!! وأصبحت الهوية الإسلامية والعربية موسومة بالتخلف والإرهاب حتى لو كان هذا «المسلم» أو ذاك «العربى» يعيش فى الغرب لعقودٍ طويلة أو «مواطن» فى بلدٍ غربى .. وكأن التخلف والإرهاب هما سمات جينية تنتقل بالوراثة بين المسلمين والعرب!!
ويظهر عمق الجهل الغربى عموماً بالمسلمين والعرب حينما تلمس أن لا فرق وسط هذا الجهل الغربى بين مسلمٍ وعربى، فكلاهما واحد بنظره، على الرغم من أن عشرات الملايين من العرب هم من غير المسلمين، ومئات الملايين من المسلمين هم من غير العرب، وإنْ جمعت بينهم جميعاً سمات تاريخية حضارية مشتركة.
لقد أدركت إسرائيل، منذ توقيع معاهداتها مع كلّ من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، صعوبة أن تتخذ الحكومات العربية بعد هذه المعاهدات، قراراً بالحرب ضدها. وقد قالها أنور السادات عشية توقيعه للمعاهدة مع إسرائيل «إن حرب عام 1973 هى آخر الحروب مع إسرائيل»، وقد كان محقاً لجهة الحكومات العربية لكن ليس لجهة إسرائيل وحروبها المفتوحة فى المنطقة، وخاصة فى فلسطين ولبنان.
وكان من الطبيعى أن تدفع هذه الحروب الإسرائيلية إلى تكوين حركات مقاومة للاحتلال الإسرائيلى ولممارساته الإرهابية الوحشية المستمرة.
وقد لمست إسرائيل مخاطر هذا «العدو الجديد» لها فى المنطقة (أى حركات المقاومة الشعبية) بعد تجربة المقاومة الإسلامية والوطنية فى لبنان، ونجاح هذه المقاومة فى إجبار إسرائيل على الانسحاب من كل الأراضى التى احتلتها عقب اجتياح لبنان عام 1978 ثم عام 1982.
وقد نجحت تجربة المقاومة اللبنانية أيضاً فى اختراق الحملات الإسرائيلية المتكرّرة فى الغرب التى ادعت أن المقاومة ضد الاحتلال هى حركة إرهابية، حيث حرصت المقاومة اللبنانية على حصر عملياتها فى الأراضى اللبنانية المحتلة وضد الجيش الإسرائيلى المحتل وعملائه. وكانت هذه الاستراتيجية الناجحة للمقاومة اللبنانية هى وراء الضغوط الشعبية الإسرائيلية الداخلية المتكرّرة على الحكومات الإسرائيلية لإنهاء احتلال لبنان. وللحديث بقيه إن نشاء الله.