تخيلوا أن الدوشة اللى حصلت بعد حادثة اعتداء تسعة أمناء شرطة على الأطباء فى مستشفى المطرية، مجابتش نتيجة، وأن أمين شرطة تانى شايف نفسه اعتدى على طبيب بمستشفى بولاق العام، وكأن مفيش قانون ولا نظام ولا قواعد بنمشى عليها فى العهد الجديد اللى إحنا بنرجوه لأنفسنا ولبلدنا!
تخيلوا الفيديوهات المسربة لفضيحة الأمناء بمستشفى المطرية وإحالتهم للنيابة ومظاهرات الأطباء الحاشدة والشدة فى الداخلية بعد الأزمة، كل ده لم يؤثر فى الباشا الصغير، وقرر يفرد عضلاته بنفس طريقة البلطجية على الدكتور فى مستشفى بولاق ويعتدى عليه ويهينه وفاكر نفسه أكبر من القانون أو أقوى من المجتمع الذى ينظر الآن بعين فاحصة لممارسات جهاز الشرطة، ولن يسمح أبدا بالعودة إلى مرحلة حكم مبارك وصعود دولة أمناء الشرطة من جديد.
أمين الشرطة المعتدى الذى تصور أنه محصن بوظيفته والطبنجة فى جنبه، وأنه ممكن يفلت باعتدائه على الطببب أثناء تأدية عمله، لم يستطع فرض أسلوب البلطجة ويهرب، والأطباء لم يهرعوا إلى إغلاق المستشفى، مثلما حدث مع مستشفى المطرية ولم ينشر بعضهم فيديوهات اعتداء أمناء الشرطة على زميلهم الطبيب، ولم تعرف وسائل الإعلام بالمصادفة، بل على العكس من ذلك، رفض الطبيب المعتدى عليه التنازل عن حقه، واستعان بزملائه لاحتجاز الأمين داخل المستشفى ورفضوا كل محاولات الصلح مع المعتدى أو تسليمه للشرطة، وطلبوا تسليمه للمحافظ شخصيا.
ما الذى كان يفكر فيه أمين الشرطة عندما قرر الاعتداء على طبيب مستشفى بولاق؟ أنه الأقوى؟ صاحب السلطة؟ أنه يستطيع ضرب وسحل ومرمطة أكبر كبير باستخدام كل الحيل القانونية وغير القانونية؟ ربما، لكن تكرار هذا الحادث فى توقيت متقارب جدا مع حادث مستشفى المطرية، يعنى أن قيادات الداخلية لم تستوعب وتحلل وتخرج بالقرارات الصحيحة من حادث المطرية، كما لم تستطع تعميم مجموعة تعليمات مشددة لكل المنتسبين إليها لمنع التجاوزات بحق المواطنين وتحسين صورة رجل الشرطة فى الشارع، أو أنها فعلت لكن أجهزة المتابعة والتوجيه لم تقم بعملها على أتم وجه، أو أن هناك قطاعات داخل الوزارة وفى مقدمتها أمناء الشرطة يقاومون الالتزام بالقانون ويصرون على اعتماد منهج التجاوز بحق المواطنين على أساس أنه الأصلح للتعامل مع الشعب المصرى!
عندما يرفض الأطباء تسليم أمين الشرطة المعتدى إلى الشرطة ويصرون على تسليمه للمحافظ رغم وساطات كبار الضباط ونواب البرلمان، فهذا يعنى أن الأزمة بين فئتى الأطباء وأمناء الشرطة متصاعدة ومحتقنة وتشى بوقوع أحداث سلبية فى المستقبل، وهو مؤشر خطر يستوجب التدخل السريع من أجهزة الداخلية ونقابة الأطباء لعدم تحويل حادث مستشفى المطرية، وبعده حادث مستشفى بولاق إلى ثأر شخصى، أو التساهل بالنسبة للداخلية فى ضرورة التشديد على أفراد الشرطة جميعهم باحترام المواطنين، وعدم التعامل معهم باستعلاء، أو بمنطق القوة، أو الاستهانة بمشاعرهم الغاضبة، واستفزازهم بالممارسات العنيفة.
نريد دولة عدالة ومساواة، لا مكان فيها لتجاوزات أو فساد أو مراكز قوى، وإذا كان أمناء الشرطة يتصورون لنقص فى تأهيلهم، أنهم فوق القانون والناس، فعلى المسؤولين معالجة هذا الخلل بسرعة وإعادة تأهيلهم، بدلا من تصاعد الغضب فى المجتمع، وحدوث انفلات لا نرجوه ولا نتحمله.