محظوظ من يحصل على تكليف من صحيفته بتغطية وقائع البرلمان، دائمًا يكون قريبًا من الحدث، مشاركًا فيه، بل صانعًا ومحركًا فى بعض الأوقات، حتى فى تاريخ الصحافة، يصنف المحررون البرلمانيون ضمن فئة خاصة، يتابعون عن قرب كواليس إدارة البلاد ومطبخ القوانين قبل خروجها للعلن، يحتكون بشكل مباشر مع الطرف الأول فى كل أزمة، ودائمًا ما لديهم من معلومات يكون أكبر من أى صحفى آخر.
من بين أهم الصحفيين البرلمانيين، الأستاذ محمد المصرى، أطال الله فى عمره، قضى فى البرلمان أكثر من الفترة التى قضاها أطول نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية، العلاقة بينه وبين البرلمان تتخطى 35 عامًا، شاهد الشيخ الشعراوى وقت أن كان وزيرا للأوقاف ويحضر للبرلمان للرد على الاستجوابات وطلبات الإحاطة، عاصر بنفسه كل القضايا الشهيرة والاستجوابات التاريخية التى هزت البلاد، كان دائما يجلس فى شرفة البرلمان يتابع عن قرب، يرصد التحركات والتقارب والتباعد بين النواب، يسجل النقاشات الجانبية ويحلل الاتفاقات والاختلافات السياسية.
الأستاذ المصرى، بدأ عمله كصحفى برلمانى فى1977، ومنذ ذلك الوقت، تغير 6 رؤساء لمجلس الشعب بداية من سيد مرعى وصوفى أبوطالب ومحمد كامل ليلة ورفعت المحجوب وأحمد فتحى سرور وسعد الكتاتنى وحاليا على عبدالعال، فيما لا يزال «المصرى» يتابع عمله ويحضر يوميا فى الصباح الباكر أملاً فى معلومة جديدة، يقترب من كل نائب جديد للتعرف عليه وقراءة عقله، يعمل «المصرى» كل يوم كأنه أول يوم له فى الصحافة البرلمانية، المصرى نموذج حقيقى لصحفى يبحث فقط عن المعلومة مهما كبر فى السن.
لأن المصرى يغطى البرلمان منذ أكثر من 35 عاما، فهو تاريخ البرلمان، بحق، يسجل فى عقله مئات من الوقائع التى تعكس حال كل نظام سياسى حكم البلاد، يمتلك قصصًا لا نهائية من الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة والبيانات العاجلة والكلمات الشهيرة تحت القبة، يسردها لك كأنه يسردها لأول مرة، ولايزال متذكرا كل تفاصيلها وكأنها حصلت للتو قبل ساعات .
أصدقاء الأستاذ المصرى طالبوه مرارًا وتكرارًا أن يسجل تلك الوقائع والقصص فى كتب، لأنه شاهد على التاريخ، وبعد رفض، استجاب المصرى وسجل شهاداته فى أكثر من كتاب آخرها وأحدثها وأمتعها كتاب كواليس الفساد فى برلمان مبارك، يكشف فيه عن تفاصيل دراما البرلمان بداية من أشهر استجواب لعلوى حافظ ووقائع تمرير قوانين الخصخصة تحت القبة، ومن وقف معها، ومن تصدى لها، وتطور سيطرة المهندس أحمد عز على نواب الحزب الوطنى فى البرلمان، كيف أصبحوا كالسبحة فى يده، إضافة إلى جانب جديد من المعارك الشهيرة وأبرزها التى كان وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان طرفا فيها.
كتاب الأستاذ المصرى رغم أن عدد أوراقه لا يزيد على 200 ورقة فإن ما تتضمنه من تفاصيل وتاريخ يفوق بكثير ذلك العدد، هو كتاب حقيقى معبر عن خطورة وأهمية البرلمان، وكيف يكون عينا للشعب ومتى يتحول إلى أداة فى يد السلطة.. فائدتان من الكتاب لكل متابع، الأولى هى تعلم لغة السرد والحكى بكل رشاقة، والثانية هى الانتهاء إلى قاعدة ثابتة مفادها أن الصحافة لا سن لها، هى روح، ودائما الموهبة موجودة وتجدد طالما صاحبها يمتلك الروح، وأستاذنا «المصرى» يمتلك الروح ويتمتع بالموهبة.