لم يكن صحفيا عاديا ولا كاتبا عابرا، بل زعيم الصحافة المصرية وأسطورتها، واستطاع خلال 75 عاما أن يعلو بشأن المهنة ويرفع قيمتها، صنع الأحداث وصنعته وعاش فى قلب الوطن فى أخطر مراحله التاريخية، وكان شاهدا أمينا على العصر، لم ينحاز إلا لمهنته العريقة، ولم يتراجع عن مواقفه الجريئة مهما جلبت له من مشاكل وأزمات.
لم يسع هيكل وراء الحكام، بل هم الذين سعوا إليه، كان يبادلهم الرأى بالرأى، ويضع بين أيديهم آخر الأخبار وأعمق التحليلات وأصدق الرؤى، ولم يصل صحفى فى مصر إلى تلك المكانة، التى وصل إليها هيكل بكفاءته وخبرته ومهارته وتجاربه الثرية، وحرص كثير من ملوك ورؤساء العالم والزعماء على الجلوس مع هذا الرجل، والاستماع إليه وكان يضيف إليهم كل جديد.
وفى مهنة البحث عن المتاعب لم يعبأ هيكل بالمتاعب، وظل على مبادئه وأفكاره تاركا الزمن يداوى الجراح ويضمد الأزمات، متسلحا بالمستقبل الذى يعلى شأن الحقيقة، ومهما اختلف معه المختلفون، فقد ظل متمسكا بالترفع والبعد عن الصغائر، ولم يلجأ مرة واحدة إلى استخدام أساليب أو أسلحة تقل من قدره أو تنتقص من قيمته، وعندما كانت الغيرة تشتعل فى قلوب منافسيه، كان يلجأ دائما إلى بذل مزيد من الجهد والعرق، حتى يحفظ المكانة التى يحتلها.
سنظل سنوات وسنوات ننهل من عطاء "هيكل"، ونفتش فى أوراقه ومؤلفاته، ونلجأ إلى مخزونه الفكرى الاستراتيجى فى أوقات الأزمات، لنستشهد بالأستاذ ونسير على نهجه ونقتفى تجاربه وخبراته، فقد رحل هيكل الجسد، وبقى العقل والفكر وتجربة ثرية لم يسبقه ولن يسبقه إليها أحد.