لابد أن يقرأ طلابُ النجاح والتفوق فى الحياة كتابًا مهمًّا اسمه «كتاب السِّر»، The Secret. وفيه تتحدث المؤلفة الأسترالية «روندا بايرن» عن أسلوب التفكير الإيجابى الذى يوّلد طاقات الجذب للسلوك الإيجابى، ومن ثم يحدث النجاح، كنتيجة طبيعية. الكتابُ من الشهرة وسعة الانتشار وغزارة الترجمة بمكان. حتى أنه باع عشرات الملايين من النسخ، فى أكثر من عشرين لغة تُرجم إليها عن الإنجليزية، اللغة الأصلية للكتاب. وفى مقالى هذا لن أتكلم عن الكتاب، لأن اختصاره وتقديمه «ككبسولة» سريعة، مثلما نفعل مع كثير من الكتب حين نودّ الكتابة عنها، يُعدُّ نوعًا من قتل الفكرة. وهو ما لا ألجأ إليه مع الكتب المهمة، إنما أدعو إلى قراءة ما يجب قراءته دون اختزاله فى مقال أو دراسة. لهذا، أدعو القراء إلى تحميل كتاب «السر» أو شرائه، لما به من فائدة عملية لكل من اختار أن ينجح فى حياته ويحقق الوجود الفائق الممتاز بين البشر.
لكننى اليومَ سأكتبُ عن تجربة طريفة، قرأتُها مؤخرًا فى إحدى المجلات، قدّمها أحدُ الناجحين فى الحياة، فى عالم الغرب الأمريكى.
استضافت هيئةُ التدريس بإحدى كليات الإدارة والأعمال، رجلَ أعمال مشهورًا، ليـلقى على الطلاب فى السنة النهائية، محاضرة تحكى بعض خبرته فى الحياة، عسى النشء يتعلمون: كيف أصبح الرجلُ مرموقًا فى دنيا الأعمال والإدارة.
استهلّ الرجلُ كلمته قائلاً: «فى الحقيقة لم يكن لدى الوقت الكافى لكتابة كلمة منمقة أو تحضير شرائح تستعرض تجربة نجاحى. لكنى سأحاول خلال خمس دقائق أن أعطيكم عصارة خبرتى، وسوف أطلب مساعدتكم فى هذا. مَن يُرِد منكم أن يساعدنى، يرفع يده من فضلكم.»
لم يستجب إلا عددٌ قليل من الحضور، رفعوا أياديهم بشىء من التردد، بينما لم يعبأ الآخرون. أكمل رجلُ الأعمال كلامه: «حسنًا. ما نراه الآن هو حالة (التراخى)، الناتج عن الضجر، أو انعدام الثقة. الدرس الأول: «احذر التراخى فقد يُضيّع عليك فرصًا عظيمة.» ثم أخرج من جيبه ورقة وقال: «هذا شيك بألف دولار، منحته لى إدارة الجامعة مقابل تعليمكم شيئًا جديدًا. وسوف أمنحه لمن يرفع يده لأعلى نقطة ممكنة». ثم وقّع الشيك. هنا بدا الاهتمامُ على الحضور، وقاموا برفع الأيدى عاليًا. أكمل الرجلُ: «كان ذاك هو (التحفيز). لن تستطيع القيام بأى عمل ما لم تُحفّز العاملين معك. وهذا هو الدرس الثانى. فى الدقيقة التالية كان كلُّ واحد من الحضور يحاول الفوز بالشيك بالنظر لمن حوله محاولا أن يجعل يده أعلى من الآخرين. فهتف رجل الأعمال الناجح: «ما نراه الآن هو (المنافسة). وهو سلّم التجويد. الدرس الثالث». نهض أحدُ الشباب معترضًا وقال: «هذا ليس عدلا! أنا أقصرهم قامة! وهذا يعطّل فرصتى». فأجاب رجل الأعمال: «بالفعل، لديهم مميزات تنافسية. لكنها مؤقتة ومحدودة. ابتكر (ولا تُحبط). ومَن قال إن الحياة عادلة؟! هذا هو الدرس الرابع». قام الشابُّ القصير بالوقوف فوق المقعد، ورفع يده فصارت الأعلى من بين المتنافسين. هنا قال الرجل: «هذا هو (التفكير خارج الصندوق)؛ الذى يجعلك فى موقع الريادة. لكنك لن تستمر فيه إلا لحظات؛ بعدما يقلّدك الآخرون. الدرس الخامس». وبالفعل سرعان ما بدأ الجميع فى تقليد الشاب بالوقوف فوق المقاعد ورفع الأيدى، حتى تقاربت المستويات مرة أخرى. ثم بدأ البعض فى وضع أشياء فوق المقاعد حتى يصلوا لمستويات أعلى. علّق المُحاضِر: «ذاك هو (التجويد) المستمر فى العمل، ما يضمن لك البقاء فى المنافسة. الدرس السادس». بعد برهة من المنافسة الشرسة، تعاون ثلاثةٌ من الشباب وحملوا بعضهم بعضًا، فصار أعلاهم فى أعلى نقطة، على أن يتقاسموا الجائزة حال فوزهم. هنا هتف الرجل: «هنا بدأنا مرحلة (العمل الجماعى). تكوين فرق صغيرة داخل المؤسسة، تصل إلى شراكات أكبر، تتحول مع الوقت إلى تكتلات اقتصادية عملاقة. الدرس السابع». بدأ الجميع فى تكوين جماعات، ولم يتبق أحدٌ يعمل منفردًا. وصار كلُّ فريق يبتكر أساليب مختلفة للتفوق. وعندما تقاربت مستويات الفرق، برز شابٌّ من كل فريق يحاول ترتيب زملائه، بحيث يكون الأكثر وزنًا فى الأسفل، والأنحف فى الأعلى، سائلا زملاءه عن مقترحات وأفكار جديدة للتفوق والفوز. هنا صاح رجل الأعمال: «تلك هى (القيادة). لن تصل أية شركة إلى العالمية دون قائد بارع. وذلك هو الدرس الثامن». كانت الخمس دقائق قد انتهت. فشكر رجلُ الأعمال الفريق الفائز وقدّم له التحية، ثم وضع الشيك فى جيبه وهَمّ بالانصراف.
ضجّت القاعةُ بالصخب، وتساءل الفريقُ الفائز عن استحقاقه الشيك الجائزة. هنا همس رجلُ الأعمال مبتسمًا: «ذلك هو *الدرس الأخير أيها الشباب. لا تصدق أبدًا أنه بإمكانك أن تتعلم مجانًا. أنا رجل أعمال جئت لأبيع لكم خبرتى. وهذا الشيك هو ثمن ما علمتكم إياه فى للتوّ. ذلك هو مبدأ: (المكسب)». ثم انصرف فى هدوء.
فى خمس دقائق قدّم الرجل خبرة سنوات من النجاح والإدارة: عدم التراخى- التحفيز- المنافسة- الاستمرار وعدم الإحباط- التفكير خارج الصندوق- التجويد- العمل الجماعى- القيادة- الكسب.
أتذكرُ الآن الأحدَ عشر درسًا التى علّمها أحدُ أغنى وأثرى رجالات العالم، بيل جيتس، للأطفال فى إحدى المدارس، حتى ينموّا مهاراتهم الشخصية وينجحوا فى الحياة. كما أتذكّر أننى قمتُ بترجمة تلك الدروس للعربية منذ عدّة أعوام. علىّ الآن «ألا أتراخى»، وأبحث عنها بين دروب حاسوبى المشتجرة المزدحمة، حتى يكون بوسعى أن أُنقّحها لأنشرها لكم فى الأسبوع القادم، بإذن الله.