عندما توفى كل من أحمد فؤاد نجم، وعبدالرحمن الأبنودى، والدكتور أحمد زويل، والفنان عمر الشريف، والفنانة فاتن حمامة، وغيرهم من القامات المصرية والوطنية المحترمة، خلال السنوات القليلة الماضية، التى تلت ثورة 30 يونيو 2013، فوجئنا مع رحيل كل واحد من هؤلاء، بحملات إخوانية ضخمة من الشماتة والسفالة والانحطاط، وحالة من حالات التشفى الشديد فى موتهم، وكأن قيادات وأعضاء الجماعة الإرهابية مخلدون فى الدنيا.
حفلات الشماتة الكبرى التى أقامها الإخوان فى رحيل نجم والأبنودى وزويل، تحديدا، فاقت صفاقتها سقف الخيال، وعدم قدرة العقل على التصديق، ولم نر أحدا من المناضلين وأدعياء الثورية، يرد بكلمة واحدة، وكأن الخرس أصاب ألسنتهم جميعا، واختفى حمدين صباحى، والبرادعى، وعلاء الأسوانى، وممدوح حمزة، وكل المتدثرين بالعباءة المدنية، ولم يردوا بكلمة واحدة!!
وعندما رحل خلال الساعات القليلة الماضية، مهدى عاكف، مرشد الجماعة الإرهابية، وهو الآن بين يدى الله سبحانه وتعالى، وجدنا حالة تعاطف شديدة من التيارات المدنية، بقيادة حمدين صباحى وممدوح حمزة وباقى جبهة العواطلية التى تحمل اسم «جبهة التضامن من أجل التغيير»، معلنين تضامنهم مع جماعة الإخوان فى توظيف الوفاة ضد مصر ومؤسساتها!!
وما بين الشماتة الوقحة فى رحيل رموز مصر الوطنية، وبين حالة التعاطف الشديدة واستثمار موت مهدى عاكف، لتشويه نظام السيسى، إنما يؤكد أن التيارات المدنية الفاشلة، ما هى إلا قطيع أغنام يسير خلف قيادات وأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، وأن هؤلاء أخطر على مصر من كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
التيارات المدنية التى لا يتجاوز عددها مائة شخص، عبارة عن تكتل «إمعة»، يريد جمع المغانم، من مال وسلطة، والسيطرة على مقدرات الأمور، دون أى حيثية، لا شعبية فى الشارع، ولا قدرات سياسية ومهنية مبهجة، وإنما السير فى «معية» الجماعات المتطرفة، وممارسة تجارة الشعارات وتصدير الأكاذيب وتشويه شرفاء الوطن!!
حفلات المآسى التى أقامها حمدين صباحى وممدوح حمزة وجبهة العواطلية وأدعياء الثورية، حزنا على مهدى عاكف، أمر يخصهم، ولا يمكن أن ينتقده أحد، كما أن كل الوطنيين الشرفاء، لم يعلنوا شماتتهم فى وفاة من قال «طز فى مصر.. وأبو مصر.. وإللى فى مصر»، ولكن أن يقرر أعضاء جبهة العواطلية توظيف وفاة الرجل لغرس خناجرهم السامة فى ظهر الوطن، وتشويه مؤسساته، فهنا لا بد من وقفة حاسمة معهم!!
حمدين صباحى خرج علينا بتدوينة، على صفحته الشخصية على فيسبوك، قائلا: «رحم الله محمد مهدى عاكف وغفر له، وغفر لنا تقصيرنا فى المطالبة بالإفراج الصحى عنه، وعن كل سجين اجتمع عليه ظلام السجن، وتقادم السن، وإنهاك المرض، كما كان حال الفقيد رحمة الله وكثيرين سواه أخص منهم المستشار الكريم محمود الخضيرى عافاه الله وكتب له النجاة، البقاء لله».
حمدين صباحى يؤكد كل ساعة وكل يوم أنه رجل الإخوان الأول، والداعم لمشروعهم فى السيطرة على البلاد، ونسأله: ماذا كنت تريد أن تفعله مع «عاكف» وما هى شكل مساندتك له؟! هل كنت تريد أن تخرجه بقوة السلاح من السجن، مثلما تم اقتحام السجون فى 28 يناير 2011؟
ولماذا لم تطلب أيضا الإفراج الصحى عن مبارك الذى تجاوز التسعين عاما من عمره، وطالبت بإعدامه؟ فهل الإنسانية انتقاء يتم التعاطف مع مهدى عاكف الإخوانى الذى قال «طز فى مصر»، بينما لا تعرف طريقها إلى حسنى مبارك بطل انتصار 73 الذى دافع عن وطنه؟!
نفس الأمر فعله ممدوح حمزة، الذى خرج علينا بتغريدة على حسابه الشخصى على «تويتر» قال فيها نصا: «لن أستطيع مسامحة السيسى لعدم الإفراج الصحى عن المرشد مهدى عاكف ليقضى الأيام المتبقية من عمره وهو مسن مريض مع أسرته».
وعندما كان يحاكم مبارك فوق سرير المرض الذى تجاوز عمره التسعين، أى أكبر من سن مهدى عاكف، كنّا نرى استعراض عضلات ممدوح حمزة وتهديد القضاء ومؤسسات الدولة بالويل والثبور وعظائم الأمور، إذا لم يتم إعدام مبارك، بطل الضربة الجوية فى حرب العزة واستعادة الكبرياء!! بينما طالب بالإفراج عن مرشد الجماعة الإرهابية، الذى قال عن بلدنا «طز فى مصر»، فهل رأيتم وقاحة سياسية، والكيل بعدة مكاييل حسب الأهواء الشخصية مثل هذا؟!
أعداء بلادنا جميعا خاصة إسرائيل، لم يخرج واحدا منهم ليهين وطننا ويقول «طز فى مصر» لكن مهدى عاكف وأتباعه قالوها، ولحنوها، وياليت الأمر اقتصر عند مقولة عاكف «طز فى مصر»، وإنما أستاذه سيد قطب، قال: «وما الوطن إلا حفنة من تراب عفن»!!
وهكذا المناضل الثورى الناصرى حمدين صباحى، وباقى فريق جبهة العواطلية، بكت عيونهم وأعلنوا الحداد حزنا على رحيل من أهان مصر، بأبشع الإهانات، بينما اتخذوا من رموزها الوطنية خصوما، وناصبوهم العداء، ولم نجدهم متلبسين يوما بتساقط دمعة من عيونهم على شهداء الجيش والشرطة، أو أظهروا حتى تعاطفا وهميا معهم!!
والشىء بالشىء يذكر، أريد هنا أن أعيد نشر شهادة الكاتب الصحفى الكبير سعيد شعيب، الذى أجرى حوارا صحفيا مع مهدى عاكف عام 2006، وسط توغل جماعة الإخوان الإرهابية فى الحياة السياسية المصرية، حينذاك، ونجاحهم فى الحصول على 88 مقعدا فى انتخابات مجلس الشعب 2005.
الحوار الأشهر حينذاك، الذى أجراه سعيد شعيب، فجر فيه مهدى عاكف قنابله المدوية، منها أنه يوافق على أن الإخوانى الباكستانى أو الماليزى أهم عنده من المسلم المصرى، كما قال: «إنه لا يمانع أن يتولى رئاسة مصر «مسلم» بصرف النظر عن جنسيته»، مفجرا أيضا مقولته الشهيرة: «طز فى مصر.. وأبو مصر.. وإللى فى مصر».
وجرى الأستاذ سعيد شعيب- حسب شهادته- بانفراده الصحفى، الذى يعد غنيمة مهنية كبرى، إلى «جريدة الكرامة» التى كان يرأس مجلس إدارتها حمدين صباحى، وقدم الحوار، وفوجئ بعد النشر، بقيام حمدين صباحى بنفسه، بحذف كلمة «طز فى مصر»، واختصار الحوار بشكل مخل، للحفاظ على شكل مهدى عاكف مرشد الجماعة حينها، ومن قبله حفظ ماء وجه الجماعة برمتها، وهنا اشتاط الزميل القدير سعيد شعيب غضبا، ولم يصدق ما حدث، فذهب إلى مجلة روزاليوسف التى كان يرأس تحريرها الراحل عبدالله كمال، الذى سمع بدوره «شريط الكاسيت» المسجل عليه نص الحوار، وتأكد من ورود العبارات المهينة لمصر على لسان عاكف، فوافق على نشره كاملا، وأحدث دويا كبيرا فى الشارع السياسى حينها!!
إذن حمدين صباحى، طوال عمره يدافع عن الإخوان، وهناك مليون دليل ودليل على ذلك، فلا عجب أن يهاجم شرفاء هذا الوطن، ويهين مؤسسات الدولة، تعاطفا مع وفاة مهدى عاكف، الذى مات موتة طبيعية، أثر معاناته مع المرض، فهل السيسى أو غيره يستطيع أن يؤخر أو يقدم عمر أحد؟!
وهل مطلوب من المصريين أن يقيموا سرادق العزاء واللطم والصراخ ويعلنون الحداد، ويرتدون الملابس السوداء حزنا على موت من قال طز فى مصر؟ وألا يكفى أن كل الوطنيين الشرفاء، لم يفعلوا مثلما يفعل الإخوان ويشمتون فى موت مهدى عاكف؟!
أين حمرة الخجل من وجوهكم يا من تدعون الوطنية، وترتدون عباءات الثورية والنضال ضد الظلم؟! لقد اندثرت، واندثر معها مصداقيتكم جميعا، ولم يعد لديكم أى تأثير من أى نوع فى الشارع!!
ولَك الله يا مصر...!!!