فى السيرة الهلالية، صرخ البطل الأسطورى رزق بن نايل، صرخته الشهيرة فى وجه أخوه غير الشقيق «عسقل بن نايل» الذى حاول قتل الطفل أبوزيد الهلالى، لأنه أسود اللون قائلا له: «يا أخى كل البلاوى ولا دى»، أى اصنع من البلاء ما شئت إلا بلوة أن تقتل طفلى الذى انتظرت قدومه للدنيا بفارغ الصبر وبعد حرمان من إنجاب الذكور سنوات طويلة!!
ونحن الآن نقولها وبأعلى صوت لكل المشايخ، وأدعياء القدرة على الفتاوى، افتوا ما شئتم فى أى مجال، ولكن ابتعدوا عن تاريخ وآثار وحضارة مصر، فكل بلاوى فتاويكم، من إرضاع الكبير، وإباحة ممارسة الجنس مع الموتى، إلى ممارسة الجنس مع الحيوانات، التى أثارت البلبلة، لا يمكن استنساخها، وإقحامها فى أحداث ووقائع تاريخ مصر، مثل فتوى أن «فرعون موسى» ليس مصريا، وأن اسمه «وليد»، وربما يخرج علينا شيخ آخر بفتوى تؤكد أن أبوالهول ليس أبوالهول، وإنما اسمه «هيثم» وخوفو اسمه «تامر»، وحتشبسوت اسمها «هيفاء» فى تشويه مخيف لتاريخ مصر، وجهل عصامى، ومصيبة كبرى، لا يمكن أن يقبلها عاقل!!
هذه الفتوى تتعارض مع كل القواعد العلمية، وتصطدم بكل أدوات العقل والمنطق، فلا يمكن لرجل دين «كهنوت» متخصص فى الفقه، ومهما كانت قدراته، أن يبدى رأيا قاطعا فى فترات التاريخ المصرى، بداية من العصر الفرعونى، ثم البطلمى، ثم الرومانى، ثم القبطى، ويأتى بنظريات من عينة أن فرعون موسى ليس مصريا، خاصة أن التاريخ يعتمد على شواهد أثرية، وروايات مكتوبة على أوراق البردى، وما رواه العلماء والمؤرخون فى عصورهم المختلفة، وليس بفتاوى دينية، لم يرد بها نص فى أى كتاب سماوى بشكل عام، وفى القرآن الكريم بشكل خاص!!
لذلك، فإن خروج الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بفتوى، يدعى فيها أن فرعون مصر، الذى تحاجج مع النبى موسى، ليس مصريا، ولا اسمه فرعون، وإنما اسمه وليد بن ريان، وأنه من خراسان، فإنها فتوى كارثية، بمثابة الغنيمة الكبرى لليهود بشكل عام، ويهود إسرائيل بشكل خاص، بجانب أيضا غنيمة للأشقاء السودانيين!!
والسؤال الذى سيتردد على ألسنة كل من يقرأ هذا المقال، عن علاقة السودانيين واليهود بفتوى الدكتور سعدالدين الهلالى، بأن فرعون موسى، ليس مصريا، وإنما من خرسان، والإجابة، نعم، هناك علاقة وثيقة، فاليهود، ومنذ تأسيس إسرائيل على وجه التحديد، لديهم قناعة أن إسرائيل الكبرى، من النيل للفرات، وأن أجدادهم كانوا ملوك بابل وخراسان، ومصر، ويحاولون إثبات أن المصريين لم يؤسسوا الحضارة الفرعونية، وأن اليهود هم بناة الأهرامات والمسلات والمعابد والمقابر!!
وطوال العقود الماضية وحتى الآن، تحاول إسرائيل إرسال بعثات علمية للتنقيب عن الآثار المصرية، بحثا عن أية آثار تثبت أن اليهود بناة الأهرامات وأصحاب الحضارة الفرعونية، وعندما لاحظ المسؤولون عن الآثار المصرية، محاولات إسرائيل إرسال بعثات تضم علماء يهود، ومحاولة العبث بالأدلة العلمية، وإيجاد تفسيرات غير منطقية تثير البلبلة، منعت مصر هذه البعثات من العمل على أراضيها، وبدأت فى التحرى وجمع المعلومات عن البعثات التى تطلب البحث والتنقيب فى المتاطق الأثرية المختلفة، ومع ذلك كان اليهود يتخفون بين أعضاء البعثات الألمانية والفرنسية والهولندية والأمريكية، التى تنقب فى مصر!!
والبعثات اليهودية أو التى تضم علماء آثار يهود، كانت تطلب إجراء الحفائر فى مناطق معينة مثل الدلتا، ومنطقة الأهرامات، والمطرية وعين شمس، وذلك لأصل تاريخى، أن الهكسوس، والاعتقاد بأنهم من بنى إسرائيل، الذى طردهم أحمس، كانوا يحكمون الدلتا لعقود طويلة، وأن اعتقادهم أيضا أن اليهود بنوا الأهرامات، وأقاموا فى المطرية وعين شمس، لذلك ما تردد حول عثور البعثة الألمانية على تمثال ضخم فى منطقة المطرية، مؤخرا، أعلنت وبسرعة، وقبل التحقق العلمى، أن التمثال للملك رمسيس الثانى، والعلماء اليهود لديهم يقين أن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج، وبعد معاينة وفحص التمثال، ذهبت البعثة وبمشاركة علماء آثار مصريين، إلى أن التمثال للملك بسماتيك الأول، وهو أمر غريب، لأن هناك مقولات تاريخية، تؤكد أن بسماتيك الأول استعان بيهود فى جيشه، وكان لهم وجود ودور مهم فى عهده، أى أن البعثة الألمانية لديها إصرار على نسب التمثال، يا إما للملك رمسيس الثانى، الذى يتردد أنه فرعون الخروج، أو للملك بسماتيك الأول، الذى استعان بيهود فى جيشه والعمل معه كمستشارين فى كل المجالات!!
وإذا خرج من بين المصريين من يتدثر بالعباءة الكهنوتية، ويدعى أن لديه القدرة على الفتوى، والإمساك بتلابيب العلم، ليصدر فتوى إسقاط الجنسية المصرية عن «فرعون موسى»، والادعاء بأن اسمه «وليد» ومن خرسان، فكأنه يقدم غنيمة كبرى ليهود إسرائيل، إذا وضعنا فى الاعتبار أيضا أن خرسان منطقة تقع على حدود كل من العراق، وإيران والهند وأفغانستان، وتركستان، وكان يقطنها عدد من اليهود لقربها من حضارة بابل العراقية، وتسلل اليهود إلى هذه المنطقة!!
أما علاقة الأشقاء السودانيين بفتوى إسقاط الجنسية المصرية عن فرعون موسى، فتتمثل فى تصريح وزير الإعلام السودانى أحمد بلال، منذ شهور قليلة، التى أكد فيها أن فرعون موسى، سودانى الجنسية، وليس مصريا، وهى التصريحات التى أثارت لغطا كبيرا.
ومن حق الوزير السودانى أن يؤكد أن فرعون موسى سودانى، وأن السودانيين هم صناع الحضارة الفرعونية، على الأقل السودان بلد لصيقة بحدودنا الجنوبية، وكانت عبر التاريخ من ضمن الإمبراطورية المصرية، إذن لماذا نذهب بعيدا إلى حدود الهند وإيران، لنؤكد أن فرعون موسى من خراسان، واسمه وليد؟!
ونريد أن نهمس فى أذن الدكتور سعدالدين الهلالى، ونقول له، لا يمكن الاعتماد على كتب التراث واعتبارها أسانيد علمية، يمكن التأسيس عليها، والجزم من خلالها، بأن فرعون موسى ليس مصريا، واسمه وليد، لأن هناك كتبا فى التراث، أيضا، قالت إن فرعون موسى، ليس اسمه فرعونا، وإنما اسمه «عون»، وعندما كان صغيرا، كان شقيا، وأرهق والديه من كثرة مشاكله، ويوما قرر والده عقابه، ووصل لمسامع «عون» خبر العقاب الذى سينزله عليه والده، فقرر الهروب، وهنا قال الناس، لقد «فر» أى هرب «عون»، وتم تحريفها مع الزمن إلى «فرعون»، وهى رواية حقيرة، فهل يمكن الاعتداد بها؟!
ونؤكد للدكتور سعدالدين الهلالى، أنه بالفعل لا يوجد ملك فى مصر، اسمه «فرعون»، وأن الفرعون لقب كان يطلق على القصر، ومن ثم فإن كل ملك يدخل قصر السلطة كان يطلق عليه فرعون، وأن علماء الآثار والتاريخ، بمختلف جنسياتهم، ذهبوا للتوفيق بين الشواهد الأثرية وما دونه التاريخ وبين ما ورد فى التوراة فى «سفرى التكوين والخروج»، ثم القرآن الكريم، فى وصف ملوك مصر بلقب الفرعون، إنها جاءت من كلمة «بر _عا» أى القصر أو البيت الكبير، لكن التوارة وهو كتاب سماوى، حسمت الأمر وذكرت قصة فرعون موسى جرت وقائعها فى مصر، وليس فى خراسان!!
ونسأل الدكتور سعد الهلالى، ما تفسيرك لقول المولى عز وجل فى الآية رقم 104 من سورة الأعراف: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)..؟! ولماذا لم يرد لا فى القرآن ولا التوراة، اسم «وليد» أو خراسان، وورد اسم «فرعون»؟!
وفى الأخير لا نملك إلا أن نقول، مادام مشايخ الأزهر، يخرجون علينا بفتاوى كارثية، تتعارض من القواعد العلمية، وتتصادم بعنف مع العقل والمنطق، فليفرح يهود إسرائيل بفتوى سعدالدين الهلالى، بأن فرعون موسى، ليس مصريا، كما يفرح الأشقاء السودانيون، ويزداد لديهم اليقين بأنه سودانى الجنسية، وما بين فتاوى ممارسة الجنس مع الموتى والحيوانات، وإسقاط الجنسية المصرية عن فرعون موسى، فمن حق داعش أن تقتل وتحرق وتغتصب النساء وتدمر البلاد باسم الإسلام، وبفتاوى كتب التراث!!
ولَك الله يا مصر...!!!