خفة دمه هى جواز المرور إلى القلوب، تركيبة ملامحه الغريبة جعلته لا يشبه أحدا، لكنه فى الآن ذاته ليس غريبا عن أحد، تشعر معه بألفة غريبة ونادرة، هو أخوك الكبير، الذى تنتظره دائما لينثر البهجة فى كل مكان، هو صديقك الذى لا تريد القيام برحلة من دونه، هو قريبك الذى تنتظر تجمعات العائلة لكى تذهب إليها مبتهجًا مستمتعًا بما يقوله من طرائف وما يقوم به من «حركات» هو فى الوقت نفسه خليلك القادر على استجلاب الأسرار من قلبك دون منازعة، وهو حبيبك الذى يعرف ما تفكر فيه قبل أن تحاول ذكره، هو محمد فوزى ذلك المطرب الملحن الموسيقار الممثل المصرى الفنان، هو أكاديمية مستقلة بذاته لا تحمل اسما سواه، وهو رائد الموسيقى الشقية الشجنية العفية، الملحن، الذى يغترف من النغمات أعذبها ومن الإيقاعات أكثر حيوية وحياة، فظل فى قلوبنا جميعًا حتى بعد وفاة بعقود، الذى تحتفل مصر بذكراه الـ51 هذا الشهر.
اصطحبنا «فوزى» فى جميل مراحل حياتنا، منذ الطفولة هو يلاغينا ويصبرنا بـ«ماما زمانها جاية» وذهب الليل، وفى الشباب كان الرفيق الشقى، الذى يدلنا على أسهل الطرق إلى قلب الحبيبة، وفى النضوج هو المحب الولهان المثابر الغبان، الذى يشتكى من الشوق ويناجى الزهور ويغنى للألوان ويصاحب الخيول، موسيقار كونى، يبكيك وقتما يريد، ويشجيك وقتما يريد ويبهجك وقتما يريد، فى غنائه للأطفال لن تجد أشهر منه، وفى غنائه للأفراح لن أبلغ منه فى إشعارك بالفرح، وفى غنائه للأحبة لن تجد أمهر منه فى وصف لواعج الشوق ومرارة الهجر وروعة الوصال.
هو تلك الحالة الفريدة، التى تلجأ إليها حينما تشعر بإفلاس الآخرين، وهو الرجل، الذى ارتبط طوال حياته بالبهجة الدائمة، بهجة لم تنزعها منه بشاعة الصورة، التى التقطت له فى مرضه، ولم تقدر على محوها خمسة عقود من الغياب، بهجة هو صانعها ومهندسها، بهجة متعمدة، جعلته فى زمن الوقار و«الحشمة» لا يتورع عن نشر صوته وهو يعزف على البيانو بالشورت، يقابل الكاميرا بالضحكة لأنه كان يعرف دوره جيدًا، ويعرف أنه سيعيش فى القلوب الحائرة، التى تغنى «تملى فى قلبى يا حبيبى وأنا عايش غريب عنك» والقلوب العاشقة التى تترنم بـ«الخفة اللى شاغلنى».