هل هناك مؤامرة؟ نعم. فالمؤامرة هى سمة التاريخ وطريق الشر للإنسان ووسيلة الظاهرة الاستعمارية منذ أن وجدت للاستيلاء على مقدرات الدول.. نعم هناك أسباب وحجج لا يمكن اختلاقها، ولكن يمكن استثمارها وتعميقها وتكريسها حتى يتم الاختراق من خلال هذه الأسباب.. كما أن هناك من العملاء فى الداخل والخارج من يقومون بالدور المطلوب لهذا الاستثمار.. ولموقع مصر ولمكانها الجغرافى ولحضارتها التاريخية ولدور مصر عبر الزمان كانت مصر ولاتزال موضع أطماع الاستعمار على مدى التاريخ مهما تعددت الأساليب.
ولذا فالاستراتيجية الصهيونية لم تستهدف أرض فلسطين فحسب، ولكن مصر كانت هى الهدف الأسمى ليس الآن، ولكن منذ قديم الزمان ومنذ خروج بنى إسرائيل من مصر.. حيث نرى الادعاء بأنهم بناة الأهرام، وأن سيناء أرض يهودية، وهذا دليل على الأطماع الصهيونية فى مصر وفى المنطقة. كما أن المطامع قديمة قدم الزمان فكان هناك ثلاث هجرات جماعية واثنتان وخمسون غزوة حربية أهمها الحروب الصليبية والحملة الفرنسية وحملة فريزر، التى تحولت إلى استعمار بريطانى وكل هذا ما هو غير حلقات تلك الأطماع.
كما أنه من المعروف أن هناك مخططا إسرائيليا لتقسيم المنطقة على أسس طائفية قد أعلن عام 1982 تحت عنوان (خطة من أجل إسرائيل) كان قد كتبها أوديدبينون الدبلوماسى الإسرائيلى السابق وضح فيها علاقات إسرائيل بالعالم العربى وتفتيت دوله لدويلات صغيرة انطلاقًا من العراق وحتى مصر مرورًا بسوريا ولبنان والأردن والسعودية والسودان. وكانت قد ترجمت هذه الخطة إلى الإنجليزية عن طريق اليهودى نعوم تشومسكى، التى أعادت نشرها مجلة التايم الأمريكية. وهدف هذه الخطة وتلك الأستراتيجية هو جعل العالم العربى ينهار ويتفكك إلى (موازييك) من كيانات عرقية ودينية صغيرة.. حيث إن العالم العربى مكون من أقليات وطوائف مختلفة وأنه معرض للانفجار والتفتت العرقى والاجتماعى من الداخل وصولًا إلى الحروب الداخلية الأهلية.. لافتًا إلى أن قوة العراق على إسرائيل فى المدى القريب أكثر خطورة من أى قوة أى دولة أخرى.. مشيرًا إلى تقسيمها إلى مقاطعات طائفية، فهل هناك وضوح أكثر من ذلك فيما قد تحقق بالفعل فى العراق؟ فرأينا دفع سفيرة أمريكا لصدام لاحتلال العراق حتى يتم سحق العراق وتفكيك جيشه وإسقاط تاريخه، وهذا ما نراه الآن على أرض الواقع العراقى.. فهل هناك علاقة بين هذا المخطط الصهيونى وبين المصالح الأمريكية فى المنطقة؟ نعم هناك علاقة. وفى عام 1902 نشر مقال فى مجلة (ذى ناشيونال ريفيو ) البريطانية، وكان تلخيصًا لنظرية أمريكية صيغة فى كتاب (القوة البحرية والولايات المتحدة)، التى أكدت أن الدولة التى ستسيطر على الشرق الأوسط وسواحله ونفطه فيما بعد ستفوز بسباق من أجل الشرق الأقصى، بالتالى ستسيطر على العالم أجمع. وكانت الحرب العالمية الأولى، التى لفتت نظر الأمريكان لباب الشرق الأوسط الكبير تلك النظرة، التى تواكبت مع صدور وعد بلفور وزرع إسرائيل فى المنطقة، فتوافقت المخططات وتواصلت الأطماع. وكان الغزو الأمريكى لأفغانستان ثم غزو العراق كمقدمة للوصول إلى الفوضى غير الخلاقة فى الشرق الأوسط.. وقد استتبع ذلك وفى نفس الإطار وتنفيذًا للمخطط فصل شمال السودان عن جنوبه.
وكان الربيع العربى لنشر الفوضى وإسقاط الأنظمة وما زلنا نرى ما يحدث فى كردستان العراق، حيث كان استفتاء 25 سبتمبر الماضى وما سيحدثه من ردود أفعال وما سيحققة من نتائج ستصيب استقرار المنطقة فى مقتل.
فهذا الاستفتاء هو الضوء الأخضر لما سيأتى بعد. فهناك مخطط لفصل دارفور عن السودان.. والاعتراف الرسمى بالامازيغية لغة ثانية بجوار العربية فى الجزائر، وتقسيم لبنان لدول طائفية، وهناك الحديث المتصاعد عن الوطن الفلسطينى البديل وتهجيرهم، وذلك من أجل جعل الدولة الصهيونية أكثر أمانًا واستقرارًا من أى وقت مضى.. أما بيت القصيد فهو مصر يقول اوديد (فى مصر توجد أغلبية سنية مسلمة مقابل أقلية كبيرة مسيحية بنحو 8 ملايين نسمة) ويهدف المخطط إلى إعلان دولة مسيحية فى الإسكندرية ونوبية فى أسوان، وبدوية تكون عاصمتها سيناء وشرق الدلتا تكون تحت النفوز الصهيونى ليتحقق حلم (من النيل إلى الفرات) ودولة فلسطينية على شمال سيناء بعد ضمها لغزة لتنتهى تمامًا المشكلة الفلسطينية.. إضافة إلى دولة سنية بالقاهرة.. هذا هو المخطط الذى يؤكده الواقع فى كل لحظة فى ما نرى من واقع عربى ضعيف ومفتت ومتشرذم بما يجعل إسرائيل فى أمن وأمان، حيث نرى الاقتتال العربى العربى بحجج واهية ولا نرى طلقة واحدة فى مواجهة إسرائيل.. هنا لابد أن نعى أن نقطة الضعف ضد مصر دائمًا هى ورقة الأقباط.. تلك الورقة التى تستغل قديمًا وحديثا وطوال الوقت خاصة بعد العلاقة المميزة بين السيسى والمصريين المسيحيين، التى تعتبر الخطوة الأولى فى طريق تحقيق المواطنة.. ولكن هل سيتركوننا؟ بالطبع لا.. فقد رأينا وتزامنًا مع استفتاء كردستان خروج وزير الخارجية الأمريكية بتصريح خطير فى صحيفة فرى بيكون الأمريكية بشأن قرار ترامب، الذى وجه بتوجيه المبالغ المستقطعة من المعونة الأمريكية لمصر لمساعدة الأقليات الدينية المسيحية فى مصر والعراق تحت مسمى دعم المسيحيين فى مصر بعد شكوى النشطاء وتطرق إلى تعرض أقباط العريش إلى عمليات إرهابية. هنا هذه هى البداية الخطيرة.. هذه هى بالونة الاختبار وبداية التدخل الخارجى.. فماذا يقصد ترامب؟ ولمن ستدفع هذه الأموال؟ للكنيسة أم للنشطاء المتأمركين فى مصر؟ وماذا ستكون أوجه الصرف؟ وما الطرق لمواجهة الإرهاب ضد الأقباط بهذه الأموال؟ أم هى ستكون رشوة معلنة للنشطاء، تحفيزًا للسير فى طريق تنفيذ المخطط؟ الأمر خطير، وعلى الكنيسة والأقباط، بل كل المصريين مسلمين قبل مسيحيين إسقاط هذه الفعلة المؤامراتية، التى تهدد سلامة الوطن واستقرارة. على الجميع تحقيق الدولة المدنية والمواطنة حتى لا نترك فرصة للاختراق فمصر هى كل المصريين ولا حل لمشاكل مصريين إلا على أرض مصر وبسواعد المصريين حتى نسقط المخططات ونسحق المؤامرات، وتكون مصر بحق لكل المصريين.