- كيف يعرف من يسير بالشارع أنك مسلمة أو مسيحية؟
- .....
- بالحجاب طبعا، إذا كنت ترتدين الحجاب فأنت بالتأكيد مسلمة، أما إذا كنت غير محجبة فقد تكونين مسيحية أو مسلمة ولكنه احتمال ضعيف.
- .....
- المفروض تتحجبى.
هنا انتهى الحوار بينى وبين أحد الأساتذة فى مدرستى الابتدائية، لم أملك وقتها قدرة على الرد. فى الحقيقة هو لم يوجه لى أسئلة لأجيب عنها بقدر ما كان يقدم أفكاره إلىّ فى صيغة استفهام يتولى هو الإجابة عنها، ليبدو الأمر له وكأنها مناقشة هدفها إقناعى بارتداء الحجاب.
بعد عودتى للبيت يومها دارت فى رأسى كثير من التساؤلات التى لم أصرح بها للأستاذ، أولها لماذا يهتم من يسير فى الشارع بمعرفة ديانتى وما يهمه إن كنت مسلمة أو مسيحية؟
ولماذا يهتم هذا المدرس بارتدائى الحجاب وأنا ما زلت بالصف الثالث الابتدائى، ثم إنه لم يكن أحد أساتذتى بالفصل. كان يعرفنى بحكم نشاطاتى الكثيرة والمتناقضة فى المدرسة، أولهما.. أنى كنت أُقدم الإذاعة المدرسية فى طابور الصباح كتلميذة مجتهدة وملتزمة، والثانى.. كنت ضيفة دائمة على طابور تذنيب من يتجرأون على انتهاك حرمة الزى المدرسى الموحد كتلميذة مارقة ترتدى الجينز فى الحرم المدرسى، حاولت كثيرا التملص من تقديم الإذاعة حتى لا أقع تحت مرمى نيران الناظر حامى حمى الزى المدرسى، لكن الأستاذ المشرف على الطابور والإذاعة رفض بشدة وظل متمسكا بى فى الإذاعة المدرسية، والمدير متمسك بى فى طابور التذنيب ولم يتغير موقف أحد منا حتى غادرت المدرسة الابتدائية.
وقتها لم أفهم بالطبع لماذا يقصدنى هذا الأستاذ أنا بالنصيحة، لكن الآن أعتقد أنى مثلت له واجهة جيدة لنشاطه الدينى والوعظى بالمدرسة. أن أقف يوميا أمام المدرسة لتقديم الإذاعة مرتدية الحجاب دعاية جيدة لإنجازات مدرس الدين المنقول للمدرسة حديثا.
وبعد عامين من محاولة إقناعى الفاشلة، زف إلينا أحد الأساتذة عبر ميكرفون الإذاعة قرار المدرسة بفرض ارتداء الحجاب على التلميذات، وضرورة التزامهن باللون الأبيض للحجاب، لا أتذكر الآن إذا كان القرار شمل كل التلميذات أم استثنى تلميذات الصف الأول والثانى، ما أذكره جيدا أنى كنت بالصف الخامس، فكنت ممن شملهن القرار.
كان على أن أذهب إلى المدرسة فى اليوم التالى بالحجاب، وقد فعلت ارتديت حجابا مزركشا من دولاب أمى يزدحم بالكثير من الألوان عدا اللون الأبيض.
مرت سنوات ونسيت كل تلك القصة خاصة أن القرار لم يدم إلا يومين أو أكثر، ولم أعرف أبدا سبب اتخاذ القرار أو سبب التراجع عنه، صحيح أن قرار التراجع لم يُعلن عبر الميكرفون كسابقه، لكنه دخل تلقائيا حيز التنفيذ، وعادت التلميذات سريعا لضفائرهن المزينة بشرائط الستان الحمراء الطويلة وعدت معهن.
تذكرت تلك القصة القديمة التى أُزعجك بها اليوم عزيزى القارئ بعد زيارة أحد الأقارب لنا، وفوجئت أن طفلته الصغيرة الطالبة بالصف الأول الإعدادى ترتدى الحجاب، وعندما استفسرت عن السبب، أجابت الأم أن ابنتها ارتدت الحجاب بعد التحاقها بالمدرسة الإعدادية، لم أفهم فى البداية ما دخل المدرسة بارتدائها الحجاب، فأوضحت لى الأم أن المدرسة - إحدى المدارس الإعدادية للبنات فى مدينة النهضة التابعة لحى السلام ثان - تفرض على الطالبات ارتداء الحجاب. فتساءلت كيف تجبرهن على ارتداء الحجاب؟ فردت الأم أن هذا نظام المدرسة. وقلت لها أى نظام هذا ومن وضعه وهل التزمت به كل الطالبات؟ قالت مدير المدرسة وضع هذا النظام وكل الطالبات المدرسة يرتدين الحجاب عدا الطالبات المسيحيات. رددت عليها غاضبة "كان ناقص يحجبهم أيضا" وأكدت لها أنه ليس هناك أى قرار رسمى بإجبار الطالبات على ارتداء الحجاب فى المدارس الحكومية.
إذا من قرر بالنيابة عن الوزارة فرض الحجاب داخل مدارسها على أطفال لم يتجاوز عمرهن أربعة عشر عاما، وإلى متى تظل مدارس الأحياء الشعبية خارج نطاق الاهتمام، ولا يدرى مسئولو التعليم شيئا عن العقول التى تُدير تلك المدارس، العقول المسئولة عن تنشئة أجيال المستقبل كما يحلو للوزارة دوما التباهى بوصف تلاميذها.
المدهش حقا أن القائمين على إدارة المدرسة لم يهتموا بأى جانب دينى آخر، أو ممارسة أى نشاط تثقيفى أو تربوى للتلميذات، أو أى توعية دينية لهن، بل اهتمت فقط بفرض الحجاب واختصار الفضيلة والأخلاق الحميدة فى ارتدائه.
فلا يهم إن كانت الطالبة تكذب.. المهم أن ترتدى الحجاب.
لا يهم إن كانت الطالبة تسرق.. المهم أن ترتدى الحجاب.
لا يهم إن كانت الطالبة تغتاب زميلاتها.. المهم أن ترتدى الحجاب.
لا يهم إن كانت الطالبة تهتم بدروسها.. المهم أن ترتدى الحجاب.
لا يهم إن كانت الطالبة تعرف شيئا عن دينها.. المهم أن ترتدى الحجاب.
لا يهم إن كانت الطالبة تعرف أركان الإسلام الخمسة.. المهم أن ترتدى الحجاب.
فقط كونى محجبة وسيراك الجميع فاضلة، هكذا تنشأ أجيال قادمة، نرسخ فى أذهانهم أن المظهر الخارجى هو ختم الجودة والقبول من المجتمع، ارتدى الحجاب فى الخارج ولا يهم أبدا ما بداخلك، رغم أن الحجاب يجب أن يكون انعكاسا لما بالقلب والعقل من محبة واقتناع ورغبة فى التقرب، وتختلف سبل التقرب من واحدة لأخرى فالخيارات متعددة، ويجب أن تظل حرية الاختيار مصونة دائما.