عجز كل العلماء عن تفسير الإلهام فى الحيوانات وعن تفسير كل ما هو إنسانى محض تفسيراً كيميائياً، حيث إنه من المستحيل مثلاً أن نفسر الذكاء أو الذاكرة أو الحب أو الفضائل أو الإيمان تفسيراً كيميائيا، ومن المستحيل أيضاً أن تكون كل فكرة أو كلمة أو عمل يعمله الإنسان أثر من آثار مادة كيميائية خاصة.
حيث حاول بعض العلماء أن يثبتوا أن هذا العجز نقص فى علمنا برقائق الكيمياء، أما غيرهم فقد أدرك أن هذا العجز عجز حقيقى وأن التفسير الفيزيائى الكيميائى لهذه الأمور مستحيل وأنه لا بد من فرض أمور عليا هى أصل " المعنويات الإنسانية " والتى لا سبيل إلى إنكارها، ولا نزاع فى أن إصرار بعض الباحثين على الإيمان بالأصل المادى لكل ما فى الكون بما فى ذلك الإنسان حيث كان علمهم مقصورا على الكيمياء، كان إصراراً لا مسوغ له، بل كان فى الواقع خطًأ كبيرا.
واستمر العالم واقفاً عند هذا الحد وقفة طويلة، ولم يكن له أن يتخطى هذه العقبات الواضحة أو أن يحفى حجم معارضيه إلا أن يكشف عن قوة جديدة تحدث أثرها فى الأشياء دون تغيير من كيميائيتها شيئا، ولم تعرف قوة لهذا الأثر إلا حين كشف العلماء "الإلكترونات" وعرفوا وجودها فى المواد كلها عضوية كانت أو غير عضوية، حيةً كانت أو جماداً، حيوانية كانت أو إنسانا .
ومن هذا الكشف الجديد يمكن لنا أن نتعمق فى الظواهر الكونية كلها إلى حد أبعد كثيراً مما استطاعته الكيمياء، وهذا التعمق شبيه بما حدث للعلم حين كشف عن الحقائق الكيميائية فأصبح علمه بالكون أعمق وأدق وأقرب إلى الحقيقة ، ولم تكن نظرية تفاضل القوانين قابلة للإثبات، حيث كنا نجهل هذا القسم الكبير من القوانين الكونية، مع تغلغل آثاره فى كل ظاهرة من أول الذرة إلى الإنسان.
وعليه سوف نفرد مقالاً جديداً نحاول فيه تفسير بعض المشكلات القديمة والتى لم تزل غى حاجة إلى تحليل عقلى معتمدين على "الإلكترونات".
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة .