أول تحقيق صحفى فى حياتى كان بعنوان «رحلة العائلة المقدسة إلى أوشليم الثانية»، غلاف مجلة صباح الخير، فى 3 يناير 1980، وهى دير المحرق فى القوصية محافظة أسيوط، وكان رئيسه الأنبا ساويرس، الذى رشح أكثر من مرة لخلافة البابا شنودة، وأطلقوا على الدير أورشليم الثانية، لأن الحجاج الإثيوبيين لا تكتمل طقوس حجحهم إلا إذا زاروه قبل أو بعد زيارة القدس، ويقول بعض المؤرخين إنها آخر منطقة نزلت فيها العائلة المقدسة، هربا من اضطهاد الرومان، وإن كان آخرون يؤكدون أن رحلة العائلة امتدت أيضا جنوبا، لجبل درنكة حيث الكنيسة المعلقة التى يزورها الآلاف.
كانت رسالة السماء ليوسف النجار: «قم وخذ الصبى وأمه واذهب إلى قلب مصر»، ويؤكد قساوسة أنه إذا قسنا مصر بالطول والعرض فنقطة الالتقاء هى دير المحرق، وأتذكر مولد السيدة العذراء الذى كان يأتى بعد امتحانات آخر العام، وكانت متعتنا الكبرى هى الذهاب إلى المولد، حيث تتحول المنطقة الجبلية المحيطة بالدير، إلى مدينة ملاهى شعبية من كل أنحاء مصر، مسلمين وأقباطا ونساء وأطفالا، ننام بالنهار ونسهر طوال الليل، استمتاعا بمختلف الفنون والألعاب النارية، وكان مهرجانا شعبيا يجذب الملايين.
أُطفئت الأنوار وألغيت الاحتفالات فى الثمانينيات، بعد أن تعرض الدير لعمليات إرهابية إجرامية، وارتفعت الأسوار عالية لتجعل الدير قلعة حصينة، وتحولت المناطق المفتوحة إلى ثكنات أمنية، حول الكنائس والأديرة، وخاضت مصر حربا شرسة ضد الإرهاب سقط فيها عشرات الشهداء، إلى أن تطهرت البلاد قبل مجىء الموجة الثانية، التى أعقبت 25 يناير، ومصيرها إلى زوال بإذن الله.
إحياء مسار العائلة المقدسة حلم مصرى قديم، ففى كل مكان مرت به كنيسة أثرية، ومزارات مسيحية، يمكن أن تجذب ملايين السائحين، كنيسة المعادى مثلا درة على النيل، وأسعدنى الحظ بزيارة كنيسة بنى سويف، وهى فى منطقة ساحرة على النيل، وأمامها مشاهد خلابة وأجواء رائعة، ومناطق أخرى من سيناء حتى الصعيد، ولكنها تحتاج إمكانيات ضخمة لإحياء المسار سياحيا.
أمامنا فرصة كبيرة للاستفادة من اعتماد البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، مسار العائلة المقدسة، ضمن الحج الرسمى المسيحى فى العالم، وهى رسالة إيجابية تتويجا لجهود مصر، فى نشر رسالة التسامح والمحبة والسلام بين الشعوب والأديان.