المسرح المدرسى ضرورة لخلق جيل واع
اسأل نفسك: ماذا نريد من أطفالنا؟ وحاول أن تجيب.
نريدهم متفتحين، ونريدهم صادقين، ونريدهم ماهرين، ونريدهم متجانسين، ونريدهم أسوياء، ونريدهم متأدبين، ونريدهم مستعدين للحوار، ونريدهم منتمين، ونريدهم فاعلين، ونريدهم متحدثين لبقين، ونريدهم سعداء.
نريد كل هذا وأكثر، وما نيل المطالب بالتمنى، ولكن بالعمل والصبر والمثابرة، وبزرع كل هذه الأمنيات فى وجدانهم دون حدة أو تعسف، ولا أجد أبلغ من "المسرح" لتحقيق هذه الأمنيات وزرعها فى وجدان أطفال مصر بطريقة انسيابية لا تحمل خشونة التوجيه ولا فظاظة التلقين.
فى المسرح، يقرأ الطفل، ويغني، يتعلم أسس المشاركة، ويتعلم أساسيات النطق الصحيح، يكسر حاجز الرهبة من المجتمع، ويفتح لروحه نافذة لتعبر عن نفسها، يتعلم أين يتكلم، ويتعلم متى يصمت، ويوقن بأن الحياة أدوار وما عليه إلا إجادة دوره، يتعلم كيف يشعر بالكلمات، وكيف يتقمص الإحساس، يتملك مهارات الإحساس بالآخر، وتنسرب إليه "روح الفريق" فيعرف أن الحياة كل متكامل، تتعاون فيه الموسيقى مع الإضاءة مع الديكور مع الأداء مع الإيقاع مع أعضاء الفريق فى إخراج لوحة متقنة تبهر الناظرين والسامعين، فى المسرح تتسع العين وتتعلم كيف يتوزع الانتباه إلى مسارات متعددة، فتتضافر الحواس كلها فى الإرسال والاستقبال، وتتعلم النفس مسارات الدراما، فتعرف أن لكل ابتداء انتهاء، ولكل سبب نتيجة، ولكل علة أثر، فيحسب الواحد خطواته فى الحياة وهو مدرك تمام الإدراك إن الغد لا يأتى فجأة وأن يوم الحاضر هو الأب الشرعى لمستقبلك وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم.
من هنا تأتى أهمية الدعوة للاهتمام بالمسرح المدرسى فى كل المراحل التعليمية لما فى هذا فائدة كبيرة على الفرد والمجتمع فى آن، وللأسف فإن ما تقيمه وزارة التربية والتعليم من أنشطة مسرحية على أهميتها لا تكفى فى بناء شخصية قويمة ومتفتحة وقوية، وذلك لأن معظم هذه "الأنشطة" يتم بشكل غير احترافى وعلى يد "مدرسين" يفتقدون لأبجديات العمل المسرحى، ولهذا كله يجب أن تتدخل وزارة الثقافة فى صناعة العملية المسرحية فى المراحل التعليمية المختلفة، فوزارة الثقافة بها مئات أو قل آلاف المخرجين والمبدعين المسرحيين الذين يتقاضون مرتباتهم كل شهر من الحكومة المصرية دون أن يعلموا، وإذا عملوا فإن عملهم لا يتجاوز الشهر الواحد فى السنة، وإذا تمت الاستعانة بهؤلاء المبدعين العاملين فى الحكومة الذين يتقاضون مرتباتهم "بالفعل" شهريا فى صناعة نهضة مسرحية فى مدارسنا فإننا بهذا القرار سنكون قد صنعنا حالة ثقافية عظيمة الأثر فى الأجيال القادمة، كما سنكون قد قدمنا بديلا حضاريا راقيا للغثاء الذى يملأ إعلامنا وتليفزيوناتنا.
لا يفوتنى هنا أن أتوجه بالشكر لوزير الثقافة الكاتب الصحفى حلمى النمنم ووزارة الثقافة عامة على رعايتها لمهرجان "المسرح الجامعى" الذى احتفلت الوزارة به أمس الأول، وأخص بالشكر المبدع الفنان خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافى وصاحب الرسالة المسرحية الراقية، وكذلك المهندس محمد أبو سعدة رئيس صندوق التنمية الثقافية السابق الذى رعى هذه الفكرة من منشأها إلى تألقها.