أكثر ما يصيب الإنسان بالفرح هو صدور منبر ثقافى جديد يضيف إلينا بابا للفهم والإدراك، ويلقى ضوءا على كثير من الأفكار التى نحتاج إلى مناقشتها ومراجعتها، وها هو العدد الأول من كتاب «مرايا» يصدر عن «دار المرايا للإنتاج الثقافى» حافلا بكثير من القضايا الجادة والمهمة التى وقف عندها أهل البحث فتناولوها بقراءة مميزة وقدموا مقاربات مهمة تمس حياتنا وواقعنا، فى تنوع معلوماتى ضرورى ومهم، بعيدا عن الغرائبية والتسطيح.
وفى مقدمة هذا الكتاب/ المجلة المهم جاء «هذا هو العدد الأول من كتاب «مرايا» غير الدورى المعنى بشئون الفكر والثقافة التقدميين. نسعى هذا فى الكتاب إلى نشر الدراسات والآراء المهمومة بفهم عالمنا المعاصر من منظورات تجديدية ونقدية، وترى «مرايا» نفسها ليس فقط كإصدار ولكن كمشروع فكرى. مرت منطقتنا بدورات عديدة على مدى المائة عام الماضية. وقد ترسخ فى أذهان كثيرين أنها عصية على التغيير. فمن وعود الليبرالية المناهضة للاستعمار، إلى أحلام دولة الاستقلال الوطنى، إلى أوهام السلام والليبرالية الجديدة، جرت فى النهر مياه كثيرة، لكن تظل «الأزمة» تطاردنا كظلنا. واليوم نحن نعيش لحظة رديئة. قد يرى البعض أن هذه نهاية التاريخ، نهاية كابوسية مخيفة، بطيئة ومؤلمة، تتخللها الحروب والصراعات ثم يغلق الستار. تطرح «مرايا» نفسها كمنبر للتفكير فى سبل مواجهة هذا اليأس المدمر. الافتراض هو أن التفكير فيما يدور حولنا وعندنا وفينا، والنقد الجذرى للأصول والغايات، يمكن أن يطرحا آفاقا قد تساعد على هزيمة اليأس، تجسيدا للعبارة الشهيرة للفيلسوف الإيطالى أنطونيو جرامش، الداعية إلى مزج «تشاؤم العقل» بـ«تفاؤل الإرادة».
هذا جزء من مقدمة الكتاب الذى بدأ خطوته الأولى بثبات فلم يأتى حاملا وجهة نظر واحدة، لكنه انطلق تحت راية تنويرية ليتوقف عند عدة موضوعات تاريخية ومعاصرة على مدى التاريخ المصرى والعالمى، فموضوعه الرئيسى الذى حمل الغلاف اسمه كان «الحملة الفرنسية بعيون فرنسية»، كما أنه يقدم حوارا مع المفكر البريطانى من أصول باكستانية طارق على حول لينين والثورة الروسية، وذلك من خلال ملف حول مائة عام على الثورة الروسية 1917، ويستحضر من التاريخ وثيقة مهمة جدا تعبر عن علاقة الإنسان المصرى بأرضه منذ زمن النهضة الحديثة هذا الوثيقة هى «لائحة الفلاح وتدبير أحكام السياسة بقصد النجاح» التى أصدرها محمد على باشا فى 1829، وفى حس علمى ساخر يسأل الكتاب ويجيب حول «هل يعود طلعت حرب»، كما يترجم لنا فصلا مهما من كتاب خطير عنوانه «أصداء الهوية: الجيل الثالث يكتب بالشرقية» يتناول شهادات عدد من أبناء الجيل الثالث من اليهود الشرقيين القادمين من دول عربية ومن إيران إلى إسرائيل، كما يمكن لنا أن نتأمل بعض المراجعات فى الكتب والشخصيات والأفلام السينمائية أيضا. أقول إن كل إصدار ثقافى جديد معناه فرحا جديدا فى حياتنا، وفكرة جديدة تنقلنا إلى حلم تنويرى قابل للتحقيق بعيدا عن تشاؤم الواقع بل مراهنة على تفاؤل الإرادة البعض الراغبين فى عالم أفضل.