انتهت منافسة اليونسكو «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة» بفوز مرشحة فرنسا أودرى أزولاى بعد جولات كانت الأكثر سخونة فى تاريخ انتخابات المنظمة الدولية طوال السنوات الأخيرة، وأودرى، وهى ابنة مستشار ملك المغرب محمد السادس أندرى أزولاى، تخرجت وعاشت فى فرنسا وعينها الرئيس الفرنسى السابق فرانسوا أولاند مستشارة له للثقافة والاتصال.
وبالرغم من انتهاء المنافسة، فقد ظلت هناك ظلال تتجاوز الخارج، إلى الداخل، وتعكس انحيازات تبدو غير سياسية لدى قطاعات متعددة فى الوسط السياسى المصرى، خاصة داخل قطاع يمكن توقع آرائه مسبقا، لكونه ينطلق من عداء وخصومة، بينما قطاع آخر يتعامل بتعال وينحاز لمواقف الخصوم، من دون إدراك للخيط الفاصل بين المعارضة والخصومة.
وبالنسبة لمصر، فقد سبق أن خاضت المنافسة مرتين فى السابق، فاروق حسنى وزير الثقافة، ثم الدكتور إسماعيل سراج الدين، وكانت معركة فاروق حسنى الأكثر سخونة، وانتهت هى ومنافسه سراج الدين بشكل طبيعى.
دخول مرشح لقطر فى اليونسكو كان واضحا أن هدفه حرمان مصر من المقعد بأى ثمن، ولا يمكن تجاهل وجود تحركات تتجاوز الدبلوماسية والسياسة إلى تدخلات مالية وإغراءات وهى أمور لم تخف على كثيرين، فضلا عن توظيف فضائيات ممولة قطريا لمساندة المرشح، وهناك مناقشات كثيرة فى أوروبا تتحدث عن اختراقات قطرية وتوظيف للمال فى شراء السياسيين ومراكز ومنظمات بشكل يتجاوز أى منطق، وإذا كان السعى لشراء المنصب الدولى طبيعيا مع دولة متهمة بتمويل الإرهاب، فهو يبدو غير طبيعى من بعض المعلقين الذين لم يبنوا اعتراضاتهم على عناصر موضوعية، ولكن على آراء مسبقة وجاهزة يمكن توقعها.
اللافت للنظر فيما يتعلق بالجدل حول المعركة لدينا اختلف عن جدل آخر دار فى فرنسا، فقد تحدثت تقارير إعلامية فرنسية عن اتهام مرشحة فرنسا أودرى أزولاى، بالتزوير، وقالت صحيفة «لوبنيون» إن أزولارى تواجه دعوى قضائية بتهمة التزوير فى وثائق عامة تعود لعام 2007، عندما كانت مسؤولة عن المركز القومى للسينما والصور المتحركة، وتم تحويلها للمحكمة لكنها لم تحسم.
هذا النقاش ظل فى سياقات سياسية داخل النخب الطبيعية فى فرنسا، لكن فى مصر كانت هنام خيوط متقاطعة تعكس المواقف السياسية المسبقة والجاهزة، التى خلت من السياسة ودخلت فى نطاقات الكيد.
فقد أصدرت منظمات مصرية بيانا أثناء المعركة هاجمت فيه المرشحة المصرية، وهو ما بدا انحيازا للمرشح القطرى بشكل مباشر، خاصة أن هذه المنظمات لم تنبس بكلمة تجاه ملف قطر، وبالتالى كانت المنظمات تمارس دورا سياسيا وهى سابقة فى سجل هذه المنظمات التى كانت دائما ترفع رايات الحقوقية والحياد.
وإذا كان بيان منظمات المجتمع المدنى يمكن تفسيره بأن هذه المنظمات لها ثأر تجاه الدولة بسبب اتهامات التمويل المعروضة أمام القضاء، فإن نفس الموقف اتخذته اتجاهات تصنف نفسها معارضة، لكنها تتجاهل الخيط الرفيع الفاصل بين الموقف السياسى والموقف «الثأرى».
وحتى بعد انتهاء المنافسة وحسم رئاسة اليونسكو للفرنسية أودرى أزولاى، فقد مثلت المنافسة نوعا من القضايا التى يغيب فيها الجدل السياسى، ليحل مكانه نقاش سطحى، حتى لدى قطاعات يفترض أنها تمثل تيارات وأفكارا سياسية، أهم ما يميز هذه الحالة هو التعالى من قبل نخب تبدو تائهة ومتربصة ليس لديها طرح واضح للأفكار والبدائل.