يبهرنا دائما الدكتور يوسف زيدان باكتشافاته التافهة، كلما قرأ كلمتين عن شخصية تاريخية يأتى إلى شاشات التليفزيون وكأنه «جاب الديب من ديله» أو كأنه اكتشف ما لم يكتشفه أحد، فى حين أن أصغر هاو للتاريخ استوعب تلك الاكتشافات التافهة منذ بداية عهده بالقراءة، وعلم أن لكل حادثة تاريخية ظروف أنتجتها وملابسات شكلت مصيرها، مرة يقول لنا إن القدس ليست القدس، ومرة يقول لنا إن صلاح الدين ليس صلاح الدين، والآن يقول لنا إن الزعيم أحمد عرابى ليس زعيما ولا يحزنون، وأنه هو سبب احتلال الإنجليز لمصر، وهذا بالطبع أمر ليس بمستغرب عن مراهق يقرأ التاريخ للمرة الأولى، وليس بمستغرب أيضا عن يوسف زيدان الذى أثبتت صولاته وجولاته التاريخية أنه يراهق «قرائيا» أو أنه تخصص فى فرقعة البلالين الإعلامية مثله مثل الإعلامى «توفيق عكاشة» فى أيام مجده، وقت أن كان يتحفنا كل يوم بفصول من «بروتوكلات حكماء صهيون» وتسريبه لمحاضر جلسات مجلس إدارة الكرة الأرضية.
لا يختلف زيدان عن العكش كثيرا فى أى شىء، حب الظهور الإعلامى، الاستعداد الدائم لإثارة البلبلة، التبجح فيما يتعلق بسب الشعوب الصديقة دون مراعاة لمشترك دينى أو تاريخى أو اجتماعى أو استراتيجى، الميل الدائم لإسرائيل والاستعداد الدائم لمغازلتها، الغرام الدائم بإحداث صدمة للمجتمع كلما قرأ كلمتين، ومن العبث هنا أن نذكره بأن الاجتزاء والانتقاء سبة فى جبين أى باحث، ومن العبث أيضا أن نقول له إن كل واقعة تاريخية تحمل العديد من الأوجه وأنه على الباحث أن يستطلع هذه الوجوه قبل أن يصدر حكمه الأخير، وأنه من الواجب على الباحثين حينما يصدرون أحكامهم أن يتحلوا بالأدب والحيادية، فلا يصح أن يتعامل الباحث مع إحدى قضاياه وكأنه يصفى خصومة شخصية أو كأنه يهاجم زوج أمه الذى استحوذ على ميراث أبيه، فمعروف أن معظم الاتهامات التى اتهمها زيدان لعرابى جاءت على لسان المؤرخ الشهير «عبد الرحمن الرافعى» وهو خصم سياسى كبير للثورة العرابية، ومعروف أيضا أن الاتهامات التى ساقها زيدان لعرابى أثيرت أكثر من مرة وتم الرد عليها أكثر من مرة، والواجب على الباحث «هذا إن كان باحثا حقيقيا» أن يستعرض القضية من جميع زواياها وأن يحلل الشهادات التاريخية ويقارن بين الأدلة المتناثرة، ليستطيع تكوين وجهة نظر متكاملة، ومن المفترض حينما يكون وجهة نظره ويطلب منه استعراضها أن يستعرضها بأدب وموضوعية باعتبارها وجهة نظر قابلة للأخذ والرد، أما أن يجلس الواحد على أريكته مجتزئا الأحداث من سياقها ملقيا الاتهامات على الجميع فهذا أمر لا يفعله إلا «العكش» ومن تعكشن.