وكأنها كتبت بالأمس فحسب، مازلت تحمل سخونة دم الشهداء ورائحة عرقهم الزكية، تحمل براهين التحدى، تحمل تراب الوطن الممزوج بمياه الحياة، كتبها شاعر العامية الأكبر فؤاد حداد بعنوان «أكبر يا ليل على أعدائى» وكأنها طلقات رصاص، دانات مدافع، حمم بركان، وهو الذى وظف نفسه فى وردية شعر، كما وظف الجنود أنفسهم فى وردية حراسة الوطن، مناديا على كل مصرى ليقف فى ورديته، قائلا: موالى يحضر للعمل فى ميعاد، وردية اللى استشهدوا امبارح، وكل مصرى فى الميعاد يحضر، وما ينقطعشى الجاى والرايح.
فى هذه القصيدة يزأر فؤاد حداد، بكل ما أوتى من قوة، يكافح كل أشكال الاستعمار، يهتف من أجل تحرير الحياة من آفاتها، يصرخ لكى يهرب الشر وحده تاركا أرواحنا الخيرة على حالها، يقول للمصريين الذين يحاربون من أجل وطنهم إن الحق لابد أن يظل على طول الزمان منيرا أخضر، وإن الحياة التى يحاربون من أجلها لابد أن تكون ندية بالمحبة غير مدنسة بمياه الكراهية التى يستحم فيها الأعداء، يقول لصديقه الشهيد «خليك على طول الزمن أخضر.. وخلى قلبك عمره ما يسامح» ويقول لصاحبه المحارب «إيدك تكون أخشن وقلبك أرق».
وكأنه ينعى بها شهداءنا الأبرار الذى رووا صحراء مصر بأنوار من دمائهم الطاهرة فى معركة الواحات، يقول «أكبر يا ليل واهدينى.. أفدى ترابى وطينى» ويقول «أكبر يا ليل بالموت على أعدائى.. وبأمتى وشهدائى» ويقول «شفايفى بالنيل الرحيم اتبلّت.. وأنا ابن للصحرا المهاجرة اللى خلّت.. الشاعر العربى يقول للناقة.. ميلى على دار اليتيم كل يوم».
قصيدة عميقة متحدية، تخيلت أنه كتبها لشهداء أمس الأول فى معركة الواحات، قرأتها على أرواح هؤلاء الشهداء الذين دافعوا عن مصر حتى آخر لحظة فى حياتهم، فاستحقوا بذلك أرفع أنواط التقدير وأرفع رتبة من رتبة الوطنية» رتبة شهيد، فهو كما قال عنه حداد.
كان شاب والدنيا اللى بتنور
تدخل لعينه وصدره من غير إذن
كانت حبيبه تسعد اللى يشوفها
وكلمة طايرة تحب من يلقفها
وشربنا شربات الفرح والابن
يا هدوم على الشماعة متعلقة
ولسه فيها الشكل والريحة
مش كان قزاز شباكنا تسريحة
يا عيش وملح ونظرة متشوقة
أنا أكره الحزن اللى من غير شقا
نسى المغنى وصية المقتول
حبيت إيدين فلاحة متشققة
كان العذاب مصرى وكنت باقول
أنا قبل ما أضرب فى الشدادى بعزمى
وقبل ما انطق حرف حرية
وأخدم ليالى تحقق النية
أنا قبل ما اعرف اسمى
كانت جراحى جنة مصرية