لا ينكر أحد أن اللغة العربية فى وطنها العربى الكبير الممتد على مساحة 22 دولة تعانى بشكل كبير، وأنها تراجعت فى بعض البلدان لتصبح اللغة الثانية وربما الثالثة، وأن الأمر يحتاج إلى صحوة «عاقلة»، وفى مصر مؤخرا قام مجمع اللغة العربية بإعداد مشروع قانون عكف عليه نحو 5 أشهر، حتى خرج فى 21 مادة رأى شيوخ المجمع أنها كافية لإعادة الهيبة للغة العربية «حال تطبيقها».
لكن بعض من قرأوا مشروع القانون، أصابهم قلق، من المادة 18 التى جاءت متعلقة بعقوبة المخالفين لما طالب القانون الالتزام به، حيث نصت هذه المادة على «يعاقب كل من يخالف أحكام المواد 1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 و8 و12 و14 و15 و18 بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، وتحدد المحكمة للمخالف مهلة لا تجاوز ثلاثة أشهر لتنفيذ ما أوجبه النص الذى وقعت مخالفته، فإذا انقضت المهلة ولم يقم بتنفيذ ذلك عوقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين».
ولو عدنا إلى هذا المواد التى تقع عليها العقوبة وتوقفنا عند إحداها مثلا المادة 12 التى تنص على «تلتزم المؤسسات الصحفية والإعلامية بتعيين مصححين لغويين مؤهلين يكون عليهم تحرى صحة ما ينشر أو يذاع من الناحية اللغوية، وفيما عدا الأعمال ذات الطابع الأدبى الفنى لا يجوز نشر مقالات أو أخبار أو غيرها باللهجة العامية»، سنجد أن المصابين بالقلق لديهم حق فى أمرين.
الأمر الأول فى أن يكون رد فعل الكتابة السجن أو الغرامة، وهو أمر يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، ويكاد يكون تطبيقه مستحيلا، وعلى المجمع أن يدرك أن تحقيقه يتطلب شيئا مهما هو أن يتوقف الناس تماما عن الحديث بالعامية، كما أن بعض الصحفيين يرون أن مقالاتهم المكتوبة بالعامية ستكون أقرب إلى جمهور القراء، كذلك فإن البعض يخلط بين العامية والفصحى صانعا أسلوبا خاصا به.
الأمر الثانى الذى أثار القلق هو أن مشروع القانون لا يعترف بالعامية إلا فى حالة الكتابة الأدبية فقط، وهو ما يوحى بأن المجمع يرفض فكرة التعامل مع المجتمع ومحاولة الاستفادة من مادته الكلامية التى تتغير وتتطور كل يوم، وأنه يتجاهل أن عملية الانتقاء من العامية هى السبيل الوحيد لتطوير اللغة العربية الفصحى.
نحن مع مجمع الخالدين للوصول إلى قانون يحمى اللغة العربية، لأننا فى حاجة ملحة إلى ذلك حتى لا نجد مجتمعنا يخسر هويته ويصبح صورة باهتة من بلدان أخرى، لكن على المجمع أن يكون معنا فى أن «يقبل» مادة جديدة تساعد على تقوية المواد البحثية فى المجالات المتعددة، وشيوخ المجمع يعرفون جيدا أن الفصحى، إن كانت هى «الكلام» فإن العامية هى «الحديث» كما يؤكد علماء اللغة فى زمن، لذا فإن المشروع له الكثير وعليه مآخذ.