اللغة هى منطق الأشياء التى تحكم حياتنا كلها، والاستسهال فى الأشياء يتبعه انهيار فى الأسس، وعدم الانتباه للغة ولا لطريقة التحدث بها حتما يؤدى إلى كوارث لا تنتهى، كما أن استخدام الأمثال الشعبية لا يعنى دائما أننا حكماء أو أننا سريعو الفهم، لكنه قد يعنى أننا لا نقدر المكانة التى نشغلها وأننا نحب لعبة «القافية».
منذ أيام قليلة وتحت قبة البرلمان المصرى العريق، قال وزير الصحة أحمد عماد الدين، أثناء اجتماعه مع أعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب «يا جارية اطبخى.. كلف يا سيدى»، فردت عليه النائبة إلهام المنشاوى «الشاطرة تغزل برجل حمار».
تخيلوا أن هذه هى طريقة الحوار التى تبناها وزير الصحة المصرى المسؤول عن صحة شعب يبلغ تعداده 100 مليون مواطن ونائبة فى البرلمان أثناء مناقشتهما فى البحث عن تطوير الوسائل والطرق التى تحسن من صحة المواطن المطحون الذى يتمنى أن يتنبه إليه المسؤولون.
لا أعرف أين الجمال فى هذا الكلام الذى تفوه به الوزير أو الرد الذى قالته النائبة، الجملتان لا تحملان أى دلالة فنية فلا هو يثير الضحك مثلا، ولا يبعث على التخيل، بل يدخل فيما يسميه أهل اللغة والبلاغة «الصور الجمالية الميتة»، أى المتوقعة المستهلكة من كثرة الاستخدام فلا جديد فيها ولا ابتكار فى معانيها، بل هى جمل ملقاة على قارعة الطريق يقولها الرائح والغادى.
ولا أعرف أين الفائدة فى هذا الكلام؟ فجملة الوزير تعنى الإقرار بالعجز وقلة الحيلة، وليسمح لى وزير الصحة أن أقول له هذه اللغة الشعبية القديمة لا تليق بك وعليك التركيز فأنت فى وزارة حيوية جدا، مسؤولة عن أهم قطاع خدمى فى مصر التى نتمنى دائما أن تكون فى خير حال طوال الوقت، وأن يكوم لديها الجديد فى مساعدة المواطنين، كما لا أوافقك على لغة الاستسلام التى تلقى بها الكرة فى ملعب البرلمان، وأعتقد أن الوزير فى مصر ينبغى أن يكون دوره حتى بينه وبين نفسه، متجاوزا فكرة العمل على المتاح، بل يسعى طوال الوقت للابتكار.
بالمقابل فإن جملة النائبة إلهام المنشاوى «الشاطرة تغزل برجل حمار» لا تقل إدانة عما قاله الوزير، فهى ترد له الكرة مرة أخرى، معترفة بقلة الإمكانيات، وهو ما يعنى اعترافها الضمنى بأن الوزير لديه الحق فى كل ما يقوله، وهنا تكمن الخطورة أن حتى هذا الكلام الشعبى العقيم لا يقدم جديدا فى أى شىء.
ليس كل ما يأتى على طرف اللسان يقال، والمسؤولية لا تعنى القدرة على الرد أو الإفحام فى القول، لكنه يعنى البحث عن سبل وطرق للحل، وإن كان وزير الصحة صدر قلة الحيلة، بينما صدرت النائبة البحث عن «الفذلكة» فإن المواطن البسيط لم يستفد أى شىء.