بعد الإعلان عن هزيمة تنظيم "داعش" وطرده من مدينة "الرقة"، مركز"الخلافة" المزعوم للتنظيم، تطرح تساؤلات بديهية من جانب الخبراء والمراقبين حول مصير عناصر هذا التنظيم الإرهابى ، وما إذا كانت تلك الهزيمة تعنى واقعياً نهاية التطرف والإرهاب ؟
سقوط مدينة الرقة هو بالتأكيد خطوة مفصلية فى الحرب ضد الإرهاب ، فانتزاع عاصمة البغدادى يمثل ضربة قاصمة لهذا التنظيم الإرهابى ، ولكنها لا تعنى بالضرورة نهاية الإرهاب ، فهى حرب ممتدة تستطيع أن تقول إنك كسبت جولة أو معركة فيها ، ولكن الحرب باقية حتى لو تم القضاء على معظم عناصر التنظيم ، فالفكرة باقية ولها حاضنتها التى ينبغى التعامل معها ثقافيا وتوعويا ودينيا وتعليميا وتربويا.
أحلام " دولة البغدادى " قد انهارت تماما كما هو حاصل على الأرض ، ولكن التطرف والإرهاب يتلون كالحرباء ، ويظهر ويختفى وقت ما يريد ، وهذا الأمر يعود بالأساس إلى خفة الحركة التنظيمية ، فنحن بصدد مواجهة تنظيمات هلامية تتلخص كل التزاماتها فى علاقتها بأعضائها وليس تجاه الآخرين ، فهى لا تعمل ، مثل الدول ، فى إطار من القانون الدولى ، بل اعتادت العمل فى الخفاء ، ومن ثم يسهل عليها التخفى والتنقل والهروب والكر والفر ، وهذه هى سمات الحروب اللامتماثلة أو حروب الجيلين الرابع والخامس ، حيث تواجه الجيوش النظامية تنظيمات زئبقية الحركة والتفكير والتخطيط .
ما يزيد من خطر تنظيم "داعش" فى المستقبل المنظور أن زعيمه أبو بكر البغدادى لا يزال طليقاً ، وأن هناك عناصر قيادية فرت من المدن والأراضى التى تمت السيطرة عليها ، وبالتالى فإن هناك احتمالية لإعادة التجمع والعمل مجدداً ، ولكن عبر آليات وأدوات مختلفة .
ربما تكون فكرة الدولة قد سقطت مرحلياً من فكر تنظيمات الإرهاب ، بعد أن تلقت "دولة البغدادي" ضربة قاصمة ، ولكن علينا أن ندرك أن هذه الفكرة هى لب الخلاف بين منظرى تنظيمى "القاعدة" و "داعش" فالقاعديون يرون أن الأولوية لمحاربة الأنظمة الموالية لأعداء الإسلام ، وهناك نقاشات داخل التنظيم حول أولوية "العدو القريب" و "العدو البعيد"، ولكن "داعش" قد رفع سقف الجموح الإرهابى بالتوجه مباشرة نحو بناء الدولة لا الاكتفاء بتمهيد الأرض أمامها كما يفكر القاعديون .
الآن هل يعود "داعش" إلى الانضواء تحت فكر "القاعدة" ويسلم بهزيمة فكرته، أم يظل باقياً من خلال العمل السرى، ومواصلة الاعتماد على استراتيجية "الذئاب المنفردة" فى الصراع مع العالم؟!
أياً كانت النتائج، فإن قراءة التجارب والشواهد ربما تفضى إلى أن " داعش " أقرب إلى التفكك بعد هزيمته ، وربما يتحول إلى " فروع " وتنظيمات مجهرية أصغر بحيث تحتفظ كل مجموعة إرهابية بقيادة ذاتية بعد فقدان السيطرة على التنظيم المركزى وفشله فى تحقيق أهدافه ، لاسيما أن مصادر التمويل والامداد ستجف مع انهيار دولة التنظيم .
السيناريوهات حول مستقبل الإرهاب مفتوحة فى المرحلة الراهنة ، فهناك احتمالات عدة لتشظى تنظيم "داعش" أو اندماجه مع تنظيمات أخرى ، أو اختفائه تمهيداً لعودة جديدة بعد فترة من الوقت يستعد فيها ويجمع شتات عناصره ، أو أن ينقل عملياته الإرهابية إلى أراض أخرى ، وأن يواصل العمل بأدوات وتكتيكات مغايرة لما سبق ، لاسيما أنه لايزال موجوداً فى بعض المناطق الجغرافية فى العالم العربى والإسلامى .
الأرجح أن مواصلة الضغط لوقف تمويل الإرهاب سيسهم جيداً فى التصدى لخطر " داعش " وغيره من تنظيمات الإرهاب ، ولكن علينا أن نتوقع فترة غير معلومة من الصراع مع الإرهاب من أجل الحديث عن قضاء مبرم على هذه التنظيمات الخبيثة ، وهذه اللحظة مرهونة بتلاقى الجهود الأمنية والعسكرية مع الجهود الثقافية والإعلامية والتوعوية والدينية ، فكلاهما يعمل الآن فى مسارات متوازية ، وحين يلتقيان يكون القضاء على منابع الفكر ومصادر تمويله وإمداده بالعنصر البشرى قد نضبت وقتذاك فقط يمكن الحديث عن نهاية شبح الإرهاب .
* كاتب إماراتى .