مما لا شك فيه أن الجمعية العمومية للأطباء التى انعقدت يوم الجمعة 12 فبراير كانت لها المعانى الكبيرة، وبثت الأمل فى داخل الكثير مما أصابهم الإحباط، بعد أن كاد اليأس من «نحو التغيير للأفضل» يتمكن مننا، ولكن وجدنا هناك انتفاضة ليست فقط من أجل كرامة طبيب أو ممرضة، ولكن من أجل المواطن المصرى بشكل عام، وقد فجرت تلك الانتفاضة فى داخلى الكثير، وتوقفت عند بعض النقاط التى أريد أن أشارككم فيها:
أولا: التضامن مع كرامة الأطباء لا يعنى أبدًا التغاضى وإغفال إهمالهم أحيانًا، والاحتجاج على بلطجة بعض عناصر الداخلية لا يعنى أيضًا إجحاف، وعدم تقدير تضحياتهم، وتفانى الكثير منهم فى الحفاظ على أمن الوطن، فلابد أن نبتعد كليًا عن خلط الأوراق.
من جهة أخرى، من الخطأ أن نعتبر هذا التحرك من النقابة هو ضد الداخلية، وجهاز الشرطة بشكل عام، كما يريد أن يوصفه البعض، فهذا التحرك والاحتجاج هو ضد بلطجة بعض أمناء الشرطة وضابطها الذين يلجأون للعنف والبلطجة، متجاهلين كرامة المواطن وآدميته، أى أنه لابد أن ننظر إلى هذه الانتفاضة على أنها انتصار لكرامة المواطن، وليست ضد جهاز أو مؤسسة حتى لو كانت أغلب هذه المؤسسة تلجأ لمثل تلك الانحرافات والانتهاكات فى التعامل مع البشر، ولكن بالتأكيد هناك أمثلة راقية محترمة حتى لو كانت قليلة. ونظرًا لانتشار مثل تلك الانتهاكات مرة أخرى فى الفترة الأخيرة، فلابد ألا نقيم ذلك بأنها حالات فردية، وأن نعترف بأن هناك خللًا فى المنظومة الأمنية بشكل عام لابد أن نعالجه حتى لا يُأخذ «عاطل مع باطل»، ومثل تلك الاحتجاجات لا تتعارض أبدًا مع أن يكون هناك تحرك آخر موازٍ يستهدف انتصارًا للجدية والنزاهة والإخلاص فى العمل، وضد الإهمال والفساد الموجود بنسبة كبيرة أو صغيرة فى قطاع الطب، ولكن لا يكون هذا موجهًا ضد تحرك الأطباء، وفى نفس التوقيت فقط لإفشال نضالهم من أجل كرامة المواطن، مثلما يفعل بعض المحسوبين بكل أسف على الإعلام تلك الفترة.
ثانيًا: انتفاضة الأطباء أيقظت بداخلى كلامًا ومناقشات دارت بينى وبين الكثيرين عن أهمية ووجوب التغيير من أسفل إلى أعلى، التغيير فى البنية التحتية فى المجتمع أولًا، حتى يحدث التغيير الصحيح المبنى على أسس وثقل قاعدى، فلابد أن نفكر أولًا أن تكون لدينا نقابات قوية، ومجالس محلية نزيهة وشريفة ووطنية تعمل للصالح العام، وليس للمصالح الشخصية.. اتحادات طلاب فى الجامعات لديها طاقة وحماس الشباب، ولديها إيمان قوى بمبادئ الثورة من عيش، وحرية، وكرامة، وعدالة اجتماعية، فقد اختبرنا التغيير من أعلى لأسفل فلم يتغير سوى رأس النظام، وظل النظام متوغلًا بفساده فى كل زوايا الدولة وأركانها، فقد أصبح هذا التفكير الآن لازمًا وضروريًا حتى يحدث تغيير حقيقى وفعال مستمر، وليس تغييرًا لأيام أو شهور ثم يعود الماضى بفساده وجبروته مرة أخرى.
ثالثًا: الثورة ليست ميدانًا وتظاهرات ومسيرات وهتافات، الثورة فكرة ومبدأ واختراع آليات تناسب كل تداعيات الثورة.. انتفاضة الأطباء فى حد ذاتها «ثورة» من أجل كرامة المواطن المصرى، وانعقاد جمعيات عمومية طارئة لاتخاذ قرارات للحفاظ على كرامة المواطن آليات جديدة اعتمدت فى طريق الكفاح والنضال من أجل الشعب المصرى، فلم يقف قانون التظاهر بالباطل دستوريًا عائقًا فى وجه الجمعية العمومية الطارئة.
أعتقد أننا فى حاجة هذه الفترة إلى إعادة التفكير والاستفادة من أخطاء الماضى، وتوجيه تفكيرنا فى اتجاه أكثر عقلًا وأطول نفسًا، فالتغيير بالضربة القاضية لا يحدث النتيجة المرجوة منه، إنما التغيير التراكمى بتجميع النقاط، وسياسة الأمد الطويل أعتقد سيكون أكثر فاعلية، وأثمر إنتاجًا، وأطول عمرًا، وأقوى أساسًا.
فكروا تانى.. فكروا صح.