انتفض المجتمع كله من أجل كرامة الشرطة المصرية حينما تهكم عليها كل من الممثل أحمد مالك والإعلامى شادى حسين بالواقعة الشهيرة بواقعة «البلالين» التى استعان فيها هذان الشابان بأوقية ذكرية وأهدوها إلى عساكر الشرطة وأمنائها وضباطها فى ذكرى يناير 2011 وعيد الشرطة ليسخروا بهذه الفعلة من جهاز وطنى يتولى مسؤولية حفظ الأمن فى بلد يريد أن يستقر وينهض، انتفضنا جميعا، ثوريين وبسطاء، أميين ومتعلمين، إعلاميين وصحفيين، ساندنا «شرطتنا» ودعمناها معنويا وماديا، حتى اضطر أحمد مالك إلى الاعتذار، ومع ذلك لم يقبل أحد به، كان الممثل الشاب مرشحا للعديد من الأدوار السنيمائية فتم التراجع عن ترشيحه، كان مشاركا بالفعل فى أعمال أخرى فأنهى المنتجون عقده معهم، وقفت له نقابة المهن التمثيلية بالمرصاد ومنعته من التمثيل، أما شادى فخسر مصدر دخله كمذيع فى برنامج أبلة فاهيتا الشهير، وأصبحا معرضان للسجن ومهددان فى كل مكان، وفى النهاية «عيشهم اتقطع» من كل ناحية، وأصبحا منبوذين حتى فى بيتهما، لم يلتمس المجتمع لهما العذر، ولم يتعامل مع الأمر باعتباره «طيش شباب» فى حين أن المجتمع كله يرى ويسمع كل يوم عن عشرات التجاوزات الفاضحة للشرطة المصرية، من قتل داخل الأقسام وخارجها، وتعذيب وسحل فى الشارع والعمل، فلماذا نصمت على «طيش الكبار»؟
هنا وفى هذا المكان هاجمت الشابين - أحمد مالك وشادى حسين - وبضراوة، وذلك لأننى لا أحب التمايل فى الرأى فى الأوقات الحاسمة، ولا أفضل أن أطنطن بكلمات تحمل عشرات المعانى لكى أستعين بالتأويلات فى أوقات المحاسبة والمراجعة، وفى الحقيقة فإنى كنت أرى أن هذه الفعلة النكراء عار على الشباب قبل أن تكون عارا على الشرطة، لأننا لو تعاملنا مع هذين الشابين باعتبارهما ممثلين للشباب كله فعلى هذا الوطن السلام، لكن يبدو أن الشرطة المصرية هى الجهاز الوحيد الذى تضامن معهما بتأكيد اتهامهما لها بالقهر والقمع والخروج على القانون و«تطبيخ» القضايا التى يتهم فيها رجال الشرطة من أجل ضمان عدم محاكمة المتجاوزين، وطبيعى أن يكون رد الفعل على من يخرج عن القانون أن يخرج المعترضون على حدود اللياقة، وعلى الأقل فإن الخروج على اللياقة لا يريق دماء ولا ييتم أطفالا ولا يصيب بعاهات مستديمة فى الروح والجسد.
أبحث الآن عن خاتمة لهذا المقال، وفى الحقيقة يبدو الكلام الذى على شاكلة «لابد من الالتزام بالآداب والقانون» مضحكا للغاية فى ظل عناد وزارة الداخلية فى إقامة القانون وهى المخولة بحفظ الأمن والقانون، لكننى أعتقد أن أكثر الأشياء إيلاما للشرطة الآن هى تلك النظرة التى يجدونها فى عيون الناس فى الشوارع والتى تحمل الكثير من الاستهجان بعدما حملت خلال العامين الماضيين الكثير من العرفان.