ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.. اعترف كل القادة الذين ساهموا فى غزو العراق وتدميره عام 2003 بأنهم قاموا بعملية الغزو، بناء على معلومات خادعة وكاذبة، اعترف كولن باول، وزير خارجية جورج دبليو بوش، بأنه وقف أمام مجلس الأمن ليتحدث عن امتلاك أدلة على وجود أسلحة دمار شامل بالعراق، وهو يعرف أنه يكذب.
اعترف تونى بلير، رئيس الوزراء الأسبق وشريك جورج بوش بالخداع، وجورج بوش نفسه اعترف، لكنه وبلير تمسكا بأن العالم أصبح أفضل من دون صدام حسين، وبصرف النظر عن الموقف من صدام، فلم يكن تدمير العراق أبدا أفضل للعالم، ربما كان أفضل للشركات النفطية الأمريكية ولشركات الأمن ومقاولى الهدم والبناء، لكن غزو العراق لم يكن لصالح الشعب العراقى، الذى كان أحد أغنى الشعوب العربية، فقد أنتج الغزو «داعش» وحروبا طائفية وعرقية، وحتى العراقيون الذين رعتهم أمريكا وقدمتهم على أنهم سيزرعون الديمقراطية، إما هربوا أو تورطوا فى الفساد والنهب، وتم إعدادهم بتكلفة أقل من 100 مليون دولار من المخابرات الأمريكية، حصلتها مضاعفة بعد الغزو.
نقول هذا بمناسبة صدور كتاب رئيس الوزراء البريطانى السابق، جوردون براون، و صدر باسم «حياتى وأزمنتنا» حيث اتهم الولايات المتحدة بتوريط الحكومة البريطانية، عن طريق الخداع، فى المشاركة بغزو العراق، وأن البنتاجون كان على علم بأن بغداد لا تملك أسلحة الدمار الشامل، ولم يبلغ لندن.
جوردون براون كان أثناء غزو العراق 2003 وزير المالية وخلف تونى بلير فى مقعد رئيس الحكومة عام 2007، وقال إن التقرير الاستخباراتى السرى الأمريكى بشأن مزاعم عن وجود أسلحة الدمار الشامل بالعراق لم يسلم أبدًا للحكومة البريطانية، وقال: «إننا جميعا ضُللنا بشأن وجود هذه الأسلحة».. ووصف براون تقرير البنتاجون ووزير الدفاع الأمريكى وقتها دونالد رامسفيلد، بأنه يقوم على «أدلة ضعيفة وتافهة».
طبعا اعترافات براون مثل اعترافات بلير وباول وبوش، تأتى بعد تخريب العراق وتدميره المتعمد، خاصة أن مذكرات بول بريمر حاكم العراق العسكرى بعد الغزو اعترف فيها بأن الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش أصر على تفكيك المؤسسات الأمنية والسياسية العراقية، على الرغم من أنه رفع تقريرا ينصحه بالتخلص من عدد من القيادات والإبقاء على الدولة، حتى لا تنفجر الفوضى، لكن بوش استمع لتوصيات الجلبى والجعفرى بتفكيك المؤسسات، واعترف بريمر بأنه اكتشف أنهم يكرهون صدام فقط، لكنهم لم يكونوا مشغولين بمستقبل العراق.
الفكرة هنا أن براون، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، وسبقه كل من شاركوا فى غزو العراق، اعترفوا بتلفيق الأدلة، وأن معلومات المخابرات المركزية كانت ملفقة، وتافهة أيضا، ومع ذلك شاركوا فى الغزو والآن يخرجون ليدعوا الحكمة بأثر رجعى. ومن المؤكد أن كثيرين ممن اعتادوا أن يلوكوا معلومات «سى آى إيه»، يتعاملون معها على أنها حقائق، بينما ساهم هؤلاء ومعهم ترسانات من أجهزة الإعلام التى تتحدث كثيرا عن قواعد أخلاقية، فى تدمير العراق وصنعوا غزوا وإرهابا ودمارا.. بناء على معلومات تافهة. حدث وما زال يحدث.