الوصية الأخيرة للأستاذ

رحم الله الأستاذ هيكل، أسطورة الصحافة والسياسة الذى تربع على عرش صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن، شيخا للمهنة ونموذجا لأجيال عديدة من الصحفيين، واعتقد أن بوفاة الأستاذ لن يتفق الصحفيون على أيقونة بديله تشبه هيكل، أو تقترب من نجاحاته المهنية وقدرته الهائلة على التأثير فى الرأى العام المصرى والعربى.

نجح الأستاذ فى إعادة اختراع اسم الأهرام، الصحيفة التى تحولت تحت قيادته إلى مؤسسة، وبالرغم من إبعاد السادات لهيكل عن عالمه فى الأهرام، وإبعاده عن السلطة فإن الأستاذ صمد وواصل مسيرة نجاحه، فكان قادرا على الحصول على المعلومة وتحليها ونشرها، فكتب فى كبريات الصحف الإنجليزية والأمريكية، واستمر قادرًا على التأثير فى الرأى العام من خلال ما كتبه فى الصحافة أو فى الكتب التى ظهر بعضها أولا باللغة الإنجليزية، ثم ترجمت إلى العربية، ولكنها ترجمة أقرب إلى إعادة التأليف حيث حافظت على أسلوب هيكل المميز والممتع، المعنى أن هيكل الصحفى والكاتب الكبير استمر بعد موت عبد الناصر وبعد إبعاده عن الأهرام والسلطة صحفيا ناجحا وعظيما.

وفى السنوات العشر الأخيرة انتقل هيكل إلى الكلام عبر شاشة التليفزيون، فكشف عن قدرات هائلة على الحكى المشوق ذى الطابع الدرامى للأحداث، وانتقل بالمشاهد من التاريخ إلى الواقع والمستقبل، فجاءت أحاديثه كاشفه وممتعة.

فى آخر حديث للأستاذ الأيقونة مع لميس الحديدى، لم يكن متفائلا وكان خائفا من خروج مصر من التاريخ، بمعنى تراجع قدرتها على التأثير فى محيطها الداخلى والخارجى، وهذا الخوف خطير، فمصر التاريخ كيف تخرج منه، الأستاذ فسر كلامه وأعطى لمصر والمصريين وصيته الأخيرة، وهى باختصار أن تمتلك رؤية للمستقبل، لمسارات العمل الوطنى فى السنوات القادمة.

وشدد الأستاذ على أن الرؤية تأتى من خلال حوار مجتمعى يشارك فيه كل أبناء الوطن، وفى ظنى أن تصور الأستاذ يرجع إلى فكرة المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية الذى نظمه عبدالناصر- وفى الخلفية هيكل دائما- الذى ناقش مسيرة العمل الوطنى وانتهى هذا المؤتمر بوثيقة الميثاق الوطنى عام 1962 التى حددت مجالات الحركة وأهداف التنمية فى مصر خلال السنوات العشر أى إلى 1972.القصد أن وصية هيكل هى أن نمتلك الرؤية، أو البوصلة حتى نعرف إلى أين نسير وفى أى اتجاه نعمل.

أتمنى أن نعمل بالوصية الأخيرة للأستاذ التى كان قد تحدث عنها عدة مرات. وأعتقد أن العمل بوصية الأستاذ هيكل مسألة حياة أو موت، لأن الرؤية تحدد الأولويات ومجالات الحركة فى الداخل والخارج، لأننى أرى أن هناك تحركات فى مجالات كثيرة، بعضها يهدف إلى إخماد حرائق هنا أو هناك أو حل أزمات، ولاشك أن بعضها ضرورى لكن لابد من تحديد الأهم والأقل أهمية لأن مواردنا محدودة، والتحديات كثيرة ومتداخلة، وبالتالى فإن الموارد والجهود تتبدد دون أن يشعر أغلبية المواطنين بتحسن.

هل يمكن مثلا أن نركز فى السنوات الثلاث القادمة على التعليم وإصلاح جهاز الدولة، وهما على درجه كبيرة من الأهمية، ولا أقصد هنا أن نهمل بقية المجالات ولكن لنحافظ على أدائها كما هو ونحسنه قدر الطاقة لكن التركيز وأولوية الجهد والإنفاق يتجهان إلى التعليم وإصلاح مؤسسات الدولة الأداة الأساسية لتطبيق القانون والعدالة. قد يختلف البعض معى، وهذا حقهم، لذلك لابد من العودة إلى وصيه الأستاذ - يرحمه الله – وهى امتلاك رؤية وأولويات للعمل الوطنى من خلال الحوار المجتمعى.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;