شهدت مصر منذ 1804 وحتى 30 يونيو ستة ثورات وست انتفاضات. فى 1804 بقيادة عمر مكرم، كانت تلك الثورة التى أعلنت عن أول وثيقة دستورية فى الشرق حينذاك، والرابعة بعد فرنسا وإنجلترا وأمريكا، ولكنها استقدمت محمد على باشا الذى حكم وأسرته مصر من «1805» وحتى «1952»، وثورة 1882 بقيادة القائد العسكرى أحمد عرابى، الذى التف حوله الشعب المصرى، ولكن لخيانة النخب والخديوى توفيق، وقصور الرؤية السياسية لعرابى، أن أدت الثورة إلى الاحتلال البريطانى لمصر «1882-1956»، ثم ثورة 1919، التى أسفرت عن تصريح 28 فبراير 1922 ودستور 1923، ولكن سرعان ما انشق قادة الثورة عن بعضهم البعض، وألغى إسماعيل صدقى الدستور، واستشهد وجُرح على يد رفاق الثورة صدقى ومحمد محمود أكثر ممن وقعوا ضحايا على يد المحتل البريطانى، ثم ثورة يوليو 1952 بقيادة جمال عبدالناصر التى غيرت وجه مصر، ولكن كعادة الغرب.. تآمر على ناصر، ولغياب الرؤية والفساد من النخب العسكرية المعاونة لناصر، احتُلت سيناء من 1967 وحتى 1982، ثم ثورة 25 يناير 2011، ولغياب القيادة والرؤية، سُرقت من قبَل الإخوان المسلمين.
على الجانب الآخر كانت انتفاضات «1930-1935» التى أعادت دستور 1923، وانتفاضة 1946 للطلبة والعمال التى ألغت معاهدة 1936، وانتفاضة الطلبة فى 1968 التى ألغت أحكام الطيران المخففة بعد هزيمة 1967، وانتفاضة الطلبة 1972 التى دفعت لقرار حرب التحرير 1973، وانتفاضة الخبز «1977» التى نجحت فى إلغاء قرارات السادات برفع الدعم، وأخيراً ثورة 30 يونيو 2013 التى خلعت د. محمد مرسى.
يلاحظ أن الشعب المصرى، الشعب الوحيد فى العالم الذى ثار، وانتفض «12» مرة بمعدل مرة كل عقدين تقريباً، ولكن لماذا تنجح انتفاضات هذا الشعب الثائر دائماً، وثوراته لا تكتمل؟! ولماذا لم يعش لنا دستور؟ وحتى دستور 1923 اختلف عليه الفرقاء، وسمى سعد زغلول اللجنة التى وضعته «لجنة الأشقياء» وألغاه صدقى باشا «1930»، وأعاده الشعب «1935»، ثم توقف، كذلك يلاحظ أن ثورتى 1882 و1952 واللتين قادهما عسكريان «عرابى وناصر» أدتا بالوطن للاحتلال من البريطانيين تارة ومن الإسرائيليين تارة أخرى!! وثورة 25 يناير حماها الجيش ولكن لغياب الرؤية، سُرقت من قبَل الإسلاميين بقيادة الإخوان، وفى نفس الوقت أعاد الشعب والقوات المسلحة الثورة للثوار من جديد، لذلك لا بد من التوقف لدراسة علاقة الجيش بالشعب بالحركة الوطنية، خاصة بعد أن استقبل الشعب المصرى دعوة السيسى للاحتشاد من قبل للدفاع عن الثورة، وتفويضه لمكافحة الإرهاب بترحاب كبير، واعتبرتها جماعة الإخوان المسلمين بداية لحرب أهلية، وفوجئت النخب المدنية بها، وأيدتها تأييداً حذراً، واعتبرها ثوار 30 يونيو عودة لاستعادة زمام المبادرة الشعبية، ووقف الغرب مرتبكاً يحاول أن يفك طلاسم ما حدث، وللأمانة فإن هناك متغيراً كبيراً فى رؤية الدولة المصرية، وعلاقة القوات المسلحة بالسياسة.
العسكرية المصرية تختلف عن كل المدارس العسكرية فى العالم، وتبدأ حكاية الجيش المصرى من نهاية عام 1819 بعد أن عاد إبراهيم باشا للقاهرة، بعدما أخمد ثورة الوهابيين. وكان محمد على قد أسس أول جيش نظامى حديث «1805»، وغيّر الوالى العقيدة القتالية للعسكرية المصرية.. ما بين المصريين وغير المصريين، بإحداث التوازن العسكرى ولاسيما بعد فتحه للسودان. وكانت رؤية محمد على أن أولاد البلد سيحافظون على مصر أكثر من غيرهم، وهكذا كان الجيش أول بزوغ للمواطنة، فى الوقت الذى كان آباء المجتمع الأهلى فى الغرب، بعد الثورة الفرنسية، يفصلون بين ما هو مدنى وما هو عسكرى.
كان جيش محمد على يتكون من فرسان ومدفعية ومشاة وبحرية من المصريين، وفرسان من القوقاز، والمشاة من السودانيين لأنهم يجيدون استخدام الرمح، وضم أول جيش نظامى فى مصر الحديثة الشركس والألبانيين. وأشرف على تدريبهم الخبراء الفرنسيون. وأنشأ محمد على الترسانة البحرية بالقاهرة والإسكندرية، وألغيت الجزية عن الأقباط «1856»، ومنذ ذلك التاريخ ساهم الجيش المصرى فى بناء الدولة، ولم تكن وظيفته حماية حدود الوطن فقط مثل بقية جيوش العالم.
ومن الثورات المصرية التى قادها عسكريون ثورة عرابى «1882» التى كان شعارها: «لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً ولن نورث بعد اليوم». ومنذ ذلك اليوم رفعت الحركة الوطنية شعار «مصر للمصريين»، ثم ثورة يوليو «1952» التى رفع قائدها عبدالناصر شعار «ارفع رأسك يا أخى»، وفى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 كان الجيش درع الأمة، والآن يتقدم الجيش الحركة الوطنية، ومن هنا ندرك أن عبدالفتاح السيسى هو سليل بيت الوطنية المصرية.
الجيش المصرى الذى يختلف عن كل جيوش العالم، كونه شارك فى بناء الدولة، ومن خلاله تحرر الأقباط من الجزية، وشارك فى كل البرلمانات، وفى وضع الدساتير من 1923 وحتى الآن، الأمر الذى يحتاج مزيداً من البحث والدراسة، وهل يمكن أن يكون الجيش المصرى جزءاً من المكون الوطنى والسياسى معاً، أم أن النخب المصرية لم تستطع أن تواكب الحالة الثورية للشعب، أم أن قواعد التغيير فى مصر مختلفة عن قوانين التغيير الاجتماعى والسياسى فى العالم؟
نحن بحاجة لدراسة متأنية لكل ذلك فى ضوء محاولات لا تتوقف من أعدائنا لتفكيك مكونات الوطنية لدينا وتشكيكنا فى مثلث الوطنية المتساوى الأضلاع «الكنيسة القبطية - الأزهر الشريف - القوات المسلحة»، أفكار غريبة تجتاحنا من الصحراء لضرب مكونات الوطنية المصرية، نحن فى أشد الحاجة، للتوقف أمامها إذا ما أردنا الدفاع عن الدولة الوطنية الحديثة.