لا صراع أديان ولا تصادم حضارات

خلق الله الإنسان، مطلق الإنسان، وفضله على سائر المخلوقات، وبالرغم من اختلاف الأشكال والأديان والأجناس فلا تفرقة بين إنسان وإنسان، الجميع ينعمون بما أنعم الله به على البشر. ولما كانت الإنسانية بشكل عام تتماثل وتتوحد فى كل ما هو إنسانى بالرغم من أى اختلافات، كان الإبداع والفكر والتقدم الحضارى هو نتاج وإبداع الإنسان الذى هو ملك الإنسانية. ومع وحدة الإنسانية كان توافقا وتواصلا وتحاور الحضارات الإنسانية، ولم يكن الصراع ولا التصادم سمة للمسار التاريخى لهذه الحضارات، بل إن التاريخ والواقع يثبت، ويؤكد أن الحضارات الإنسانية تلاقحت وأفرخت وأنجبت أنواعا متقدمة ومتطورة من الحضارات الإنسانية التى لا تنفصل بعضها عن بعض. وبالرغم من أن لحضارة المصرية القديمة التى يطلق عليها الفرعونية كانت هى أم الحضارات ومدشنة أول صفحات التاريخ البشرى، حيث كانت بحق هى فجر التاريخ الإنسانى، وبالرغم من مساوئ وسلبيات الغزوات الحربية والهجرات الجماعية، إلا أنه كان لهذه الغزوات والهجرات الجماعية إيجابيات تمثلت فى إحداث ذلك التواصل والتكامل الإنسانى، فى إطار تواصل هذه الحضارات، فكانت الحضارة الفرعونية القديمة بكل ما قدمت من علوم وفنون فى كل المجالات، ثم جاء الفرس واليونان والرومان حتى القرن السابع الميلادى، وقدموا إلى مصر بحضاراتهم وإبداعاتهم الإنسانية، فكان ذلك التواصل الحضارى الذى تم بين المصرية واليونانية والرومانية حتى أصبحت تلك الحضارات حقبات تاريخية مصرية امتزجت وشكلت مسار الحضارة المصرية بشكل عام، ولذا نقول الحضارة المصرية القديمة ذات الحقبات الفرعونية واليونانية والرومانية، حتى إن اللغة المصرية القديمة كانت قد تأثرت باللغة اليونانية، وقد تم مزج اللغتين وصارت اللغة الفرعونية فى صورتها المتطورة الثالثة، وهو ما يطلق عليه اللغة القبطية التى مازالت تتداول فى الكنائس باعتبارها تراث مصرى قديم. وقد أثرت الحضارة المصرية أيضاً فى الحضارة اليونانية والرومانية أيما تأثير، يُذكر ولا يُنكر، من فلاسفة وعلماء اليونان والرومان على مدى التاريخ. ناهيك عن التأثر والتأثير المباشر وغير المباشر بين جميع الحضارات الإنسانية «مصرية - هندية - فارسية - بابلية - آشورية - فينيقية - يونانية - رومانية» حتى وصلنا الآن لهذه الثورة العلمية والتكنلوجية كنتيجة مباشرة لحوار وتكامل كل هذه الحضارات الإنسانية التى أبدعها الإنسان، مطلق الإنسان، دون النظر للجنس أو الدين أو الجغرافيا. فإذا كانت الحضارات تتكامل ولا تتصارع، فهل الأديان تتصارع وتتصادم أم ماذا؟ فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان والكون، وأعطى الإنسان الحرية فى أن يفعل ما يريد وأعطاه الحرية لدرجة الإيمان بالله من عدمه، على أن يكون هناك حساب، وهذه فلسفة ربانية تعلم الإنسان ما يسمى بالنتائج التى هى المحصلة النهائية لأى عمل، حتى يتم التقييم سواء كان سلباً أو إيجاباً. فكانت الأديان بالرغم من اختلافها فى بعض العقائد الدينية تتشارك بعضها البعض فى المقاصد العليا والقيم الدينية ليصل الجميع إلى نتيجة واحدة ووحيدة وهى عبادة الإله الواحد، أيا كان صورة هذا الإله فى ضمير المتدين وحسب عقيدته وإيمانه الدينى، فالدين نزل للإنسان، ومن أجله، فكانت حكمة التعددية الإلهية للأديان، لذا كان من الطبيعى أن يتم التعامل مع هذا الإنسان فى كل مناحى حياته وثقافته عدى الجانب العقيدى. فهذه التعددية لا ولم تكن أبداً بهدف الصدام أو الصراع، ولكن كانت بهدف التكامل، حيث إن اليهودية قد توقفت عند نفسها منتظرة المسيحية، والمسيحية آمنت باليهودية وتوقفت عند مسيحيتها، وجاء الإسلام مكملاً لليهودية والمسيحية، حسب الإيمان الإسلامى. هنا لا يجب أن ننسى أو نتناسى أن هناك عقائد كانت قبل الإديان السماوية وبإرادة سماوية، فكما جاء فى الكتاب المقدس «من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم»، وكما جاء فى القرآن الكريم «ورسلاً قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصهم عليك»، أى أن الله أراد التعددية، حيث كان يمكن أن يكون هناك دين واحد لكل البشرية حتى لا يكون هناك تصادم أو تصارع للأديان، إلا أن الله خلق الجميع وأراد تعددية الأديان، وهو الذى سيحاسب الجميع حتى لا يكون هناك وصاية على احد باسم الدين، ولكن هذا الصراع وذلك الصدام هو من صنع الإنسان لأهداف ذاتية ولمصالح دولية تستغل الدين، لما للدين من مكانة لدى البشر جميعاً، أيا كان هذا الدين ولذلك رأينا نظرية صراع الحضارات لهنتجنتون التى وصل بها إلى صراع الثقافات، ثم الأديان بهدف استغلال الدينى لصالح السياسى، ونرى أيضاً ودائماً ما يسمو بتجار الأديان، وفى جميع الأديان من يتاجر بها ومن يدعى حمايتها، فكان هناك صراع دائم وتصادم محتدم بين الأديان. الأديان لا تتصارع ولكن الإنسان هو الذى يتصارع ويتصادم، ليس للدين، لكن للمصالح والمنافع والاستبداد والسيطرة، وهذه كلها سلوكيات لا علاقة لها بالأديان ولا بقيمها ولا مقاصدها مهما كانت المسميات، فالأديان كلها لله والأعمال يجب أن تكون لله، الحضارات والأديان بطبعها وطبيعتها وحكمة الله سبحانه تتحاور وتتكامل وتتلاقح ولا تتصارع. كفى صراعا بل نتنافس فى الخير والحب والعمل والإنتاج حتى نصل إلى سعادة الإنسان التى أرادها ويريدها الله لنا، حفظ الله مصر لكل المصريين.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;