يستحق المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، التحية على تحمله المسؤولية فى وقت صعب وشجاعته منذ اللحظة التى تولى فيها المسؤولية. فقد أعلن سياسته وقراراته، ومنذ أول لحظة كان واضحاً، وتحامل كثيراً على نفسه وصحته ليستكمل مهمة كان من الصعب على غيره التصدى لها.
ومنذ أول مرة ألتقينا به أعلن إسماعيل أن هناك قرارات صعبة وحسب وصفه «مؤلمة»، لم يقدم الرجل برنامجا ملونا مثلما اعتدنا خلال عقود، كنا نستمع إلى بيانات تملأها الأرقام والوعود وأغلبها يظل فى سياق الكلام، لكن شريف إسماعيل كان واضحا لم يسع لتجميل الواقع أو يقدم وعودا يستحيل تنفيذها، يضاف إلى ذلك حالة الشلل التى أصابت الاقتصاد فى مرحلة انتقالية، مع شلل اقتصادى وهروب للأموال، واستمرار للثغرات واتساع للثقوب التى يتسرب منها الدعم والفساد والتحايل وانفجار سكانى، أضاف لعدد السكان ما يتجاوز عدد سكان تونس، والتفاصيل معروفة.
وبدا الحال مستعصيا، وكل هذه العوامل جعلت كثيرين من الخبراء والأكاديميين يرفضون تولى المناصب الوزارية، وهى تجربة تكررت فى الحكومات التى تلت 11 فبراير 2011، وأعرف شخصيا عددا من هؤلاء يحملون شهادات تؤهلهم، لكنهم كانوا يكتفون بالكلام، ويتراجعون عن تولى المناصب، ليس زهدا، ولكن خوفا من المسؤولية لعلمهم أن «اللى على البر عوام»، وما يزال لدينا عدد وافر من المتكلمين يقولون فى العلن عكس ما يرددون فى الظل بعيدا عن الصورة، وكان الحديث نظريا يدور عن الفرق بين الوزارة السياسية، أم الوزارة المتخصصة «التكنوقراط». وهو جدل لم ينته حتى الآن.
وفى ظل هذا الوضع قبل المهندس شريف إسماعيل المسؤولية، وسط شكوك طبيعية، فى رجل تكنوقراطى حقق نتائج فى وزارة البترول، وجاء بعد حكومة المهندس إبراهيم محلب الذى حاول أن يقدم نموذجا شعبيا ميدانيا لرئيس الحكومة، وهو نموذج مخلص بالفعل، لكن الأمر كان بحاجة إلى جراحات وجرعات علاج، وإجراءات اقتصادية مؤلمة.
قبل المهندس شريف إسماعيل مهمة رئيس الوزراء فى مرحلة صعبة، سبقتها فترة أزالت الكثير من هيبة المناصب، يمتلك الجميع حق الكلام والنقد بعلم أو من دون، ويصعب فيها إرضاء كل الأطراف، فى ظل استقطاب وتناقضات وتقاطعات، وكان الرجل يتحامل على نفسه، ويتحمل أنه أيضا يتلقى علاجا صعبا، وتظهر عليه تأثيرات المرض، حتى أصبح عليه ان يتلقى العلاج.
وبعيدا عن الاختلاف والاتفاق مع السياسات وهو أمر طبيعى، مع أى قرارات اقتصادية، جاءت فى وقت واحد، لعل أخطرها كان إزالة ارتباط الجنيه بالدولار وهو إجراء أدى بالفعل إلى ارتباك شديد، مع الأخذ فى الاعتبار أن ثمار الإصلاح يستغرق وقتا، ومن يتخذ القرار يتحمل المسؤولية، ثم إن الإصلاح أتى مع السعى لإنجاز مشروعات فى اتجاهات مختلفة، ومواجهة أمراض ومشكلات مزمنة، منها فيروس الكبد الوبائى، والعشوائيات، وتنشيط الاقتصاد وتشغيل المعطل، كل هذا فى وقت واحد، وأمام جمهور يحاسب يوما بيوم، وما كان للإصلاح أن ينجح دون تحمل الشعب لقرارات مؤلمة وصعبة.
المهندس شريف إسماعيل لا يجيد تلوين الكلام، وربما هو قليل الكلام بشكل عام، لكنه يتحرك ويمتلك درجة كبيرة من الشجاعة فى اتخاذ القرارات والدفاع عنها، وبالطبع من الطبيعى ان القرارات الاقتصادية التى اتخذت خلال فترة قصيرة تمثل قفزة ضخمة فى سجل الحكومة، هناك أعراض جانبية لدواء تأخر كثيرا، مع رهانات على تحسن واضح ينعكس على أحوال ودخول المواطنين الذين تحملوا الكثير ثقة فى غد أفضل.
نتمنى الشفاء للمهندس شريف إسماعيل الرجل الذى عمل وتحمل الكثير من الانتقادات، وكان يمكنه أن يبقى بعيدا يتحدث ويشرح من دون أن يتورط فى مسؤولية صعبة، لكنه اختار وتحمل المسؤولية بشجاعة، أمام من أيده ومن خالفه.