قرابة 305 شهداء وعشرات المصابين، أرامل وأيتام بالمئات، أمهات تنزف دما وآباء يعتصرون ألما، القتلى ليسوا كفارا، لم يكونا لحظة استهدافهم داخل ملهى ليلى مثلا يحتسون الخمور ويتمايلون مع الغوانى والراقصات. الشهداء والمصابون هنا مسلمون لا يعصون ربهم، الشهداء والمصابون هنا ماتوا ساجدين طاهرين أنقياء أتقياء، قتلوهم وهم يصلون.
ما سبق ليست جمل فى رواية أدبية، وليست قصة قصيرة حزينة، ما سبق مشاهد مجسدة وواقعية فى مسجد قرية الروضة بمركز بئر العبد فى شمال سيناء، هناك اختلط صوت الآذان بالرصاص، وتناثرت أشلاء فاختلطت بماء الوضوء و"سجاد" المسجد، دماء غطت المصاحف والكتب الدينية، لوثت الثياب البيضاء التى يرتديها المصلون أو غالبيتهم فحولتها إلى حمراء، لعل أحشاء عجوز خرجت هنا وعقل شاب تناثر هناك وقدم طفل بحثوا كثيرا عن صاحبها لتدفن مع جسده .
إذن كلاب ضالة بل سباع مفترسة، مصاصو دماء تعطشوا لتناوله فما وجدوه من رجال الجيش والشرطة البواسل الذين على أهبة الاستعداد والذين اصطادوهم من قلب الصحراء الغربية فلم يبقوا منهم إلا واحد على قيد الحياة، الإهابيون بحثوا عن الغذاء، أقصد الدماء، فهم كالبق يتغذون عليها، بحثوا فى عدوهم الأساسى فلم يتمكنوا منه فرأوا ألا مجال لبقائهم أحياء سوء دماء المسالمين، جهزوا العدة ارتدوا ملابس الإجرام المموه ربما،جهزوا أسلحتهم المشتراة بأموال أعداء مصر، حددوا الزمان والمكان والفريسة، انطلقوا من مسافة 2000 متر تقريبا بسيارات الدفع الرباعى، توقفوا على بعد 150 مترا من المسجد، ترجلوا ودخلوه وألقوا قنابلهم،هرج ومرج وهروب جماعى لكن إلى أين؟ فالكلاب الضالة تنتظرهم فى الخارج، أمطرتهم بوابل من الرصاص فقتلت من قتلت وجرحت آخرون، فى المشهد سيارات الأهالى تحترق،ومنافذ القرية تغلق والطرق المؤدية لمسح الجريمة تقطع.
وصلت سيارات الإسعاف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فأبوا،الإرهابيون رفضوا وأمطروا المسعفين بالرصاص، الإرهابيون حكموا على المسالمين بالإعدام ورفعوا شعار لا حياة لكم بعد اليوم .
لكن لماذا استهدفوا هذه القرية وهذا المسجد بالذات ؟
ولأنهم يبررون جرائمهم كالعادة،أهداهم خيالهم المريض إلى سببين لقتل المصليين أولهما أن المسجد يقع فى نطاق تجمع سكنى لقبيلة السواركة ثانى أكبر القبائل فى شمال سيناء بعد الترابين وهذه القبيلة عرف عن أبنائها حبهم الشديد للوطن ومساندتهم للجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب، والسبب الثانى هو أن القائمين على المسجد ينتمون للفكر الصوفى وهو فكر فى تصور الإرهابيين بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة تواجه بالرصاص والمتفجرات، لذلك قتلوهم بدم بارد ولاذوا بالفرار كالفئران فى الدروب الصحراوية.
المؤسسة الدينية المسيحية والإسلامية صرخت كعادتها وقالت كلاما نعرفه قبل أن نسمعه، كلام مكرر لا جديد فيه ووصف الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء الجناة بأنهم فاسدون وجزاءهم الصلب أو تقطيع الأيدى فى إصرار ربما على أنهم ليسوا كفارا، وأنا أتساءل أن لم يكون هؤلاء كفارا فمن يكون الكفار ؟